الآية 46
قوله تعالى: ﴿وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾
الاعراب:
موضع " ويكلم الناس في المهد " نصب على الحال عطفا على (وجيها) ومكلما وكذلك عطف عليه (وكهلا) بالنصب. ويجوز عطف الفاعل على الفعل لتقارب معنيهما قال الشاعر:
بات يغشاها بعضب باتر * يقصد في أسوقها وجائر (1)
أي ويجوز وقال آخر:
يا ليتني علقت غير خارج * قبل الصباح ذات خلق بارج أم صبي قد حبا أم دارج (2)
أي أو درج ويجوز في قوله: " وكهلا " أن يكون معطوفا على الظرف من قوله: " في المهد ".
اللغة:
والمهد مضجع الصبي في رضاعه في قول ابن عباس، مأخوذ من التمهيد. والكهل: من كان فوق حال الغلومة، ودون الشيخوخة. ومنه اكتهل النبت: إذا طال، وقوي. ومنه الكاهل فوق الظهر إلى ما يلي العنق والمرأة كهلة. قال الراجز:
ولا أعود بعدها كريا * أمارس الكهلة والصبيا (3)
وقيل الكهولة بلوغ أربع وثلاثين سنة. وقال مجاهد: الكهل: الحليم وأصل الباب العلو، فالكهل لعلو سنه، أو لعلو منزلته.
المعنى:
ووجه كلامه في المهد تبرئة لامه مما قذفت به، وجلالة له بالمعجزة التي ظهرت فيه. فان قيل: فما معنى " وكهلا " وليس بمنكر الكلام من الكهل؟قيل فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يكلمهم كهلا بالوحي الذي يأتيه من قبل الله.
الثاني: انه يبلغ حال الكهل في السن، وفي ذلك أيضا إعجاز لكون المخبر على ما أخبر به.
الثالث: أن المراد به الرد على النصارى بما كان منه من التقلب في الأحوال، لأنه مناف لصفة الاله. فان قيل كيف جحدت النصارى كلام المسيح في المهد وهو معجزة عظيمة؟قلنا: لان في ذلك ابطال مذهبهم، لأنه قال: " إني عبد الله " (4) فاستمروا على تكذيب من أخبر أنه شاهده كذلك. وفي ظهور المعجزة في تلك الحال قيل فيه قولان:
أحدهما: إنها كانت مقرونة بنبوة المسيح، لأنه كمل عقله في تلك الحال حتى عرف الله بالاستدلال، ثم أوحى إليه بما تكلم به، هذا قول أبي على الجبائي. وقال ابن الاخشاذ: إن كل ذلك كان على جهة التأسيس لنبوته، والتمكين لها بما يكون دالا عليها، وبشارة متقدمة لها. ويجوز - عندنا - الوجهان. ويجوز أيضا أن يكون ذلك معجزة لمريم تدل على براءة ساحتها مما قذفت على ما بينا جوازه فيما مضى.1- معاني القرآن للفراء 1: 213 وأمالي ابن الشجري 2: 167 وخزانة الأدب 2: 345 واللسان (كهل) ورواية البيت مختلفة. فبعضها (بت أعشيها..).
2- هكذا في المطبوعة ورواية اللسان (درج): يا ليتني قد زرت غير خارج * أم صبي قد حبا ودارج.
3- قائله عذافر الفقيمي أمالي القالي 2: 215 وشرح أدب الكاتب لابن السيد: 217، 389، واللسان (كهل)، (كرا)، (شعفر)، (أمم) وغيرها كثير. كريا: مكاري وكان عذافر يكرى إبله إلى مكة فاكر معة - رجل من أهل البصرة - بعيرا يركبه هو وزوجته وفي الطريق قال بهما رحز طويل.
4- سورة مريم آية: 30.