الآية 32
قوله تعالى: ﴿قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾
قال محمد بن جعفر بن الزبير: نزلت هذه الآية في وفد نجران، وفيها دلالة على بطلان مذهب الجبرة، لأنه قال لا يحب الكافرين ومعنى لا يحبهم لا يريد ثوابهم من أجل كفرهم، فاذن لا يريد كفرهم، لأنه لو أراده لم يكن نفي محبته لكفرهم، والطاعة اتباع الداعي فيما دعا إليه بأمره أو إرادته، ولذلك قد يكون الانسان مطيعا للشيطان فيما يدعوه إليه، وإن لم يقصد أن يطيعه، لأنه إذا مال مع ما يجده في نفسه من الدعاء إلى المعصية، فقد أطاع الداعي إليها. فان قيل ما الفرق بين الطاعة وموافقة الإرادة؟قيل: موافقة الإرادة قد تكون طاعة، وقد تكون غير طاعة إذا لم تقع موقع الداعي إلى الفعل نحو إرادتي، لان يتصدق زيد بدرهم من غير أن يشعر بذلك، فلا يكون بفعله مطيعا لي ولو فعله من أجل إرادتي لكان مطيعا وكذلك لو أحسن بدعائي إلى ذلك فمال معه. وقوله: (إن الله لا يحب الكافرين) معناه أنه يبغضهم ولا يريد ثوابهم، فدل بالنفي على الاثبات وكان ذلك أبلغ، لأنه لو قال إنه يبغضهم لجاز أن يتوهم أن يبغضهم من وجه ويحبهم من وجه كما يعلم الشئ من وجه، ويجهل من وجه، فإذا قيل لا يعلمه لم يحتمل الوجوه.