الآيات 41 ? 44
قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ، ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ، وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ، وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾
القراءة:
قرأ أبو جعفر ﴿ بنصب ﴾ بضم النون والصاد. وقراءة يعقوب بفتحهما. الباقون بضم النون وإسكان الصاد، وهي لغات أربع. وقراءة هبيرة بفتح النون وإسكان الصاد. يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله ﴿ واذكر ﴾ يا محمد ﴿ عبدنا أيوب إذ نادى ربه ﴾ فقال يا رب، لان النداء هو الدعاء بطريقة يا فلان ومتى قال اللهم افعل بي وارزقني وعافني كان داعيا ولا يكون مناديا ﴿ اني مسني الشيطان) ﴿ اني) في موضع نصب لان تقديره، انه نادى بهذا القول، وتقديره بأني مسني فلما حذف الياء نصب (أني) و ﴿ مسني الشيطان ﴾ أي وسوسني وذكرني ما كنت فبه من نعم الله في الأهل والولد والمال، وكيف زال ذلك كله وما حصل فيه من البلية طمعا فيه ليزله بذلك ويجد طريقا إلى اضلاله وتضجره وتبرمه، فوجده صابرا عند ذلك مسلما لامر الله تعالى. وقيل: انه كان وسوس إلى قومه أن يستقذروه ويخرجوه من بيتهم ولا يتركوا امرأته التي تخدمه أن تدخل عليهم، لان فيه برصا وجذاما ربما عدا إليهم وكان أيوب ينادى بذلك ويألم به. والنصب والوصب والتعب نظائر، وفيه لغات اربع على ما حكيناه نصب ونصب مثل حزن وحزن ورشد ورشد ورشد، وعدم وعدم، ثم تسكن الصاد مع فتح النون تخفيفا وتضم النون والصاد اتباعا لما قبله. ونقيض النصب الراحة وأصله ألا نصاب يقال انصبني أي عذبني، وبرح بي، ومنهم من يقول: نصبني قال بشر بن أبي حازم: تعناك نصب من أميمة منصب وقال النابغة:
كليني لهم يا أميمة ناصب * وليل أقاسية بطئ الكواكب (1)
و ﴿ عذاب ﴾ أراد به ما كان يدخل عليه من ألم الوسوسة، فأجاب الله تعالى دعاه وقال ﴿ اركض برجلك ﴾ أي ادفع برجلك الأرض، فالركض الدفع بالرجل على جهة الاسراع، ومنه ركض الفرس لاسراعه ذا دفعه برجله. يقال: ركضت الدابة وركضتها أنا مثل جبر العظم وجبرته أنا، وحزن وحزنته انا، وفي الكلام حذف وتقديره فركض برجله وظهر عين ماء، فقال الله له ﴿ هذا مغتسل ﴾ أي ماء مغتسل ﴿ بارد وشراب ﴾ وقال الحسن وقتادة: نبعت له عينان، فاغتسل من إحداهما وشرب من الأخرى، فالمغتسل موضع الاغتسال. وقيل: كل ماء يغتسل فيه فهو مغتسل وغسول - ذكره أبو عبيدة - وفي الكلام حذف، وتقديره إن أيوب اغتسل من تلك العين، فأزال الله تعالى عنه جميع ما كان فيه من الأمراض. ثم اخبر بما من عليه زيادة على صلاح جسمه، وزوال ألمه فقال ﴿ ووهبنا له أهله ﴾ لأنه لما رد عليه أهله كان ذلك هبة منه مجددة ﴿ ومثلهم معهم ﴾ وتقديره ووهبنا له مثل أهله دفعة أخرى. وقد ذكرنا اختلاف المفسرين في ذلك - في سورة الأنبياء - ون فيهم من قال أعطاه بكل امرأة امرأتين وبكل ولد ولدين في دار الدنيا. ومنهم من قال ذلك اخبار عما يهبه الله له في الآخرة. وقيل: إن الله تعالى أمطر عليه جرادا من ذهب وقوله ﴿ رحمة منا ﴾ معناه فعلنا ذلك لرحمتنا إياه، فهو نصب على أنه مفعول له، ويجوز أن يكون نصبا على المصدر ﴿ وذكرى لأولي الألباب ﴾ أي وليتذكر به ويعتبر ذووا العقول فيصبروا كما صبر. ثم حكى ما قال له فإنه قال له ﴿ خذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث ﴾ فالضغث ملء الكف من الحشيش أو الشماريخ وما أشبه ذلك قال عوف بن الجزع:
وأسفل مني فهدة قدر بطنها * وألقيت ضغثا من حلا متطيب
أي تطيبت لها. وقيل إنه كان حلف على امرأته لامر أنكره من قولها لئن عوفي ليضربنها مئة، فقيل له ﴿ خذ ضغثا ﴾ بعدد ما حلفت، فاضرب به دفعة واحدة، فإنك إذا فعلت ذلك، فقد بررت قسمك، ولم تحنث، وهو قول قتادة والضحاك. وقوله ﴿ ولا تحنث) نهي له عن الحنث. ثم اخبر تعالى عن حال أيوب وعظم منزلته، فقال ﴿ انا وجدناه صابرا ﴾ لبلائنا مسلما لامرنا. ثم أثنى عليه فقال ﴿ نعم العبد انه أواب ﴾ أي رجاع إلى الله منقطع إليه، وعندنا ان من حلف ان يضرب غيره مئة فضربه بشمراخ فيه مئة طاقة، فقد بر في يمينه، وفيه خلاف بين الفقهاء.1- مر في 5 / 368 و 6 / 95، 329.