الآية 3
قوله تعالى: ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ﴾
قيل في معنى قوله: " نزل عليك الكتاب بالحق " وجهان:
أحدهما: بالصدق في أخباره وجميع دلالاته التي تقوم مقام الخبر في تعلقها بمدلولها على ما هو به، ففي جميع ذلك معنى التصديق.
والثاني: بالحق أي بما توجبه الحكمة من الانزال كما أتى بما يوجبه الحكم من الارسال وهو حق من الوجهين. وقوله: (مصدقا لما بين يديه) نصب على الحال ومعناه لما قبله من كتاب أو رسول في قول مجاهد وقتادة والربيع وجميع المفسرين. وإنما قيل لما قبله لما بين يديه، لأنه ظاهر له كظهوره لما بين يديه. وقيل في معنى " مصدقا " ههنا قولان:
أحدهما: " مصدقا لما بين يديه " وذلك لموافقته ما تقدم الخبر به وفيه آية تدل على صحة نبوة النبي صلى الله عليه وآله من حيث لا يكون ذلك إلا من عند علام الغيوب.
الثاني: مصدقا أنه يخبر بصدق الأنبياء في ما أتوا به خلاف من يؤمن ببعض، ويكفر ببعض. والتوراة مأخوذة من وريت بك زنادي إذا ظهر به الخبر كما يتقدح بالزناد النار فالأصل الظهور، فهي تورية لظهور الحق. وقيل في وريها أقوال:
أحدها: قال البصريون تورية فوعلة فقلبت (الواو) الأولى (تاء) لئلا يجتمع واوان أول الكلمة نحو حوقلة ودوخلة.
والثاني: قال الكوفيون: تفعلة على وزن تثقلة وتثقلة، وهو قليل جدا لا يكاد يعرف تفعلة في الكلام.
الثالث: قال بعضهم هو تفعلة إلا أنه صرف إلى الفتح استثقالا للكسر في المعتل وهو بناء يكثر نحو توفية وتوقية وتوصية، وما أشبه ذلك. قال الزجاج: وهذا ردئ لأنه يجئ منه في توفية توفاة وهذا لا يجوز. والإنجيل مأخوذ من النجل، وهو الأصل وقال الزجاج وزنه أفعيل من النجل باجماع أهل اللغة فسمي إنجيلا لأنه أصل من أصول العلم.