الآيات 171-182

قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ، وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ، فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ، وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ، أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ، فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاء صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ، وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ، وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾

اقسم الله تعالى، لأن هذه اللام لام القسم بأنه ﴿ سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين ﴾ الذين بعثهم الله إلى خلقه ﴿ أنهم هم المنصرون ﴾ سينصرون بنصرهم على أقوامهم بالحجج وإنما قدم الله تعالى الكلمة للمرسلين بأنهم سينصرون، لما في ذلك من اللطائف للملائكة والسامعين لها، وسميت جملة من الكلام بأنها كلمة لانعقاد بعض معانيه ببعض حتى صار يلحقه صفة التوحيد كخبر واحد وقضية واحدة. وقال السدي: النصر للمرسلين بالحجة لان منهم من قتل. وقال الحسن: ما غلب نبي في حرب، ولا قتل قط. ثم اخبر تعالى أن جنود الله للكفار لغالبون أي يقهرونهم تارة بالحجة وأخرى بالقتل. ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله ﴿ فتول عنهم ﴾ يعني اعرض عن هؤلاء الكفار ﴿ حتى حين ﴾ إلى أن آمرك بقتالهم، يعني يوم بدر - في قول السدي - وقال قتادة: إلى الموت. وقال قوم: إلى يوم القيامة. وقال قوم: إلى انقضاء مدة الامهال. وقوله ﴿ وأبصرهم فسوف يبصرون) معناه انظرهم فسوف يرون العذاب - في قول ابن زيد - وقال غيره أبصر حالهم بقليل. وقيل: ابصرهم في وقت البصر، وفي الآية دلالة على المعجز، لأنه تعالى وعد نبيه بالنصر، فكان الامر على ما قال. وقوله ﴿ أفبعذابنا يستعجلون ﴾ معناه الانكار عليهم بأنهم يطلبون العذاب عاجلا قبل وقته. ثم قال ﴿ فإذا نزل ﴾ يعني العذاب ﴿ بساحتهم ﴾ أي بفنائهم فساء صباح المنذرين أي بئس الصباح صباح من خوف وحذر، فلم يحذر، ولم يخف، فالساحة ناحية الدار، وهو فناؤها، وهو الفناء الواسع فلذلك وصف بأنه نازل به العذاب لعظمه ولا يسعه إلا الساحة ذات الفناء الواسع. وقال السدي: نزل بساحتهم أي بدارهم وساء إذا كانت بمعنى بئس لا تتصرف مثل هذه. ومثل قوله ﴿ ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا ﴾ (1) ولو كان بمعنى الاخبار المحض لجاز أن يقال: ساءه يسوءه سوءا أي أوقع به ما يسوءه. ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله ﴿ فتول عنهم حتى حين ﴾ أي اعرض عنهم إلى حين وقد فسرناه. و ﴿ أبصر فسوف يبصرون ﴾ وقد مضى معناه، وإنما كرر لأنهما عذابان عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فكأنه قال وأبصرهم في عذاب الآخرة وأبصرهم في عذاب الدنيا. ثم قال " سبحان ربك رب الغرة عما يصفون " أي التنزيه لربك عما لا يليق به من الصفات، ربك الذي خلقك ويملك التصرف فيك رب العزة يعني العزة التي يعز الله بها الأنبياء والمرسلين، وهي صفة القادر الذي لا يضام ولا يرام، فالعزة لله - جل عز - وهو ربها، لأنه القادر الذي لا يعجزه شئ منها، ولا من غيرها جل وعلا " عما يصفون " يعني ما يصفه به الكفار من اتخاذ الأولاد واتخاذ الشريك " وسلام على المرسلين " الذين أرسلهم الله إلى عباده " والحمد لله رب العالمين " أي والشكر والحمد لله الذي خلق جميع العالم وملك التصرف فيهم.


1- سورة 7 الأعراف آية 176.