الآيات 123?132
قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ، أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ، اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ، فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ، إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ، وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ، سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ، إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ﴾
القراءة:
قرأ أهل الكوفة إلا أبا بكر ﴿ الله ربكم ورب آبائكم ﴾ نصبا. الباقون بالرفع. من نصب جعله بدلا من قوله ﴿ أحسن الخالقين ﴾ ومن رفع استأنف الكلام، وقرأ نافع وابن عامر ويعقوب ﴿ سلام على آل ياسين ﴾ على إضافة (آل) إلى (ياسين). الباقون ﴿ على الياسين ﴾ موصولة. من أضاف أراد به على آل محمد صلى الله عليه وآله لان (يس) اسم من أسماء محمد على ما حكيناه. وقال بعضهم: أراد آل الياس عليه السلام. وقال الجبائي أراد أهل القرآن، ومن لم يضف أراد الياس. وقال: الياسين، لان العرب تغير الأسماء العجمية بالزيادة كما يقولون: ميكائيل وميكائين، وميكال وميكائل، وفي إسماعيل اسماعين قال الشاعر:
يقول أهل السوق لماجينا * هذا ورب البيت اسرائينا (1)
وفي قراءة عبد الله ﴿ وإن إدريس لمن المرسلين سلام على إدراسين ﴾ وقيل أيضا إنه جمع، لأنه أراد الياس ومن آمن معه من قومه، وقال الشاعر: قدني من نصر الخبيبين قدي (2) فجعل ابن الزبير أبا خبيبا ومن كان على رأيه عددا ولم يضفهم بالياء فيقول: خبيبين، فخفف في الشعر مثل الاشعرين، وكما قالوا: سيرة العمرين وخير الزهدمين، وإنما أحدهما زهدم والآخر كردم. وقال قوم: تقديره على ﴿ آل ياسين ﴾ فخفف، لأنه أراد الياسا وقومه، كما قالوا: الاشعرون والمهليون. قال الشاعر: انا ابن سعد أكرم السعدينا. وكلهم قرأ ﴿ وإن الياس ﴾ بقطع الهمزة إلا أن أبا عامر، فإنه فصل الهمزة وأسقطها في الدرج، فإذا ابتدأ فتحها، قال أبو علي النحوي: يجوز أن يكون حذف الهمزة حذفا، كما حذفها أبو جعفر في قوله ﴿ إنها لإحدى الكبر ﴾ (3) ويحتمل أن تكون الهمزة التي تصحب لام التعريف، وهي تسقط في الدرج، وأصله (ياس). اخبر الله تعالى أن الياس من جملة من أرسله الله إلى خلقه نبيا داعيا إلى توحيده وطاعته حين ﴿ قال لقومه ألا تتقون ﴾ الله بترك معاصيه وفعل طاعاته، فاللفظ لفظ الاستفهام والمراد به الانكار، كما يقول القائل ألا تتقي الله يا فلان في أن تظلم أو تزني، وما أشبه ذلك، وإنما يريد بذلك الانكار. ثم قال لهم ﴿ أتدعون بعلا ﴾ قال الحسن والضحاك وابن زيد: المراد بالبعل - ههنا - صنم كانوا يعبدونه، والبعل في لغة أهل اليمن هو الرب، يقولون من بعل هذا الثوب أي من ربه - وهو قول عكرمة ومجاهد وقتادة والسدي - ويقولون: هو بعل هذه الدابة أي ربها، كما يقولون: رب الدار ورب الفرس، وزوج المرأة بعلها، والنخل والزرع إذا استقى بماء السماء فهو بعل، وهو العذي، خلاف السقي. والأصل في الرب المالك فالزوج رب البضع، لأنه مالكه. ومعنى الآية أتدعون بالإلهية صنما عادلين عن أحسن الخالقين، وهذا إنكار عليهم أن يعتقدوا أن غير الله إله أو يقولون لغيره يا إلهي. وقال قتادة: الياس وهو إدريس، وقال ابن إسحاق: هو من ولد هارون، وهو اسم نبي وهو أعجمي، فلذلك لم ينصرف، ولو جعل (أفعالا) من الاليس وهو الشجاع الجرئ لجاز. ثم بين لهم الذي هو أحسن الخالقين، فقال ﴿ الله ربكم الذي خلقكم ورب آبائكم ﴾ أي الذي دبركم وخلقكم، وخلق آباءكم ﴿ الأولين ﴾ يعني من مضى من آبائكم وأجدادكم. ثم حكى ان قومه كذبوه ولم يصدقوه، وأن الله أهلكهم وأنهم لمحضرون عذاب النار. ثم استثنى من جملتهم عباده الذين أخلصوا عبادتهم لله وبين انه أثنى عليهم في آخر الأمم بأن قال ﴿ سلام على آلياسين ﴾ وآل محمد صلى الله عليه وآله هم كل من آل إليه بحسب أو بقرابة، وقال قوم: آل محمد كل من كان على دينه، ولا خلاف بين النحويين أن أصل (آل) أهل فغلبوا الهاء همزة وجعلوها مدة لئلا يجتمع ساكنان، ألا ترى أنك إذا صغرت قلت أهيل ولا يجوز أويل، لأنه رد إلى الأصل لا إلى اللفظ. وقوله ﴿ أفلا تعقلون ﴾ معناه تتدبرون وتتفكرون في ما نزل بهؤلاء القوم وتعتبرون به لتجتنبوا ما كانوا يفعلونه من الكفر والضلال. وفي قوله ﴿ لمحضرون ﴾ حذف، لان تقديره فإنهم لمحضرون العقاب واليم العذاب لتكذيبهم والجزاء بما تقتضيه الحكمة فيهم. وهذا الابهام تغليظ في الوعيد بالعذاب، لأنه لعظمه معلوم لا يخفى أمره، ووجه الحجة عليهم في قوله ﴿ ورب آبائكم الأولين ﴾ انه إذا كان الرب واحدا وجب اخلاص العبادة لواحد، لأنه الذي يملك الضر والنفع في جميع الأمور، وذلك يبطل عبادة الأوثان. ثم قال كما جازينا هؤلاء بهذا الجزاء وهو ان أثنينا عليهم في آخر الأمم مثل ذلك نجزي من فعل الطاعات واجتنب المعاصي. ثم اخبر ان الياس كان جملة عباده المصدقين بجميع ما اخبر الله به من وعد ووعيد وغير ذلك، العاملين بما أوجب الله عليهم.1- تفسير الطبري 23 / 55.
2- تفسير القرطبي 15 / 118.
3- سورة 74 المدثر آية 35.