الآيات 112-122
قوله تعالى: ﴿وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ، وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ، وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ، وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ، وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ، وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ، وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ، سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ، إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ﴾
يقول الله تعالى بعد ان ذكر قصة إبراهيم وولده الذي اخبر الله بذبحه على ما فسرناه، بشره بإسحاق ولدا له آخر، نعمة عليه مجددة لما فعل من المسارعة إلى ما أمره الله به وصبره على احتمال المشقة فيه، وبين انه نبيا من الصالحين، وأنه بارك عليه يعني على يعقوب وعلى إسحاق وخلق من ذريتهما الخلق الكثير، فمنهم محسن بفعل الطاعات ومنهم ظالم لنفسه بارتكاب المعاصي بسوء اختياره، مبين أي بين ظاهر. ثم اقسم تعالى بأنه من على موسى وهارون أي أنعم عليهما نعمة قطعت عنهما كل اذبة، فأصل المن القطع من قوله ﴿ فلهم أجر غير ممنون ﴾ (1) أي غير مقطوع، وحل منين متقطع والمنية الموت، لأنها قاطعة عن تصرف الحي والبركة ثبوت الخير النامي على مرور الأوقات فبركته على إبراهيم وإسحاق باللطف في دعائهما إلى الحق، وبالخبر عن أحوال جليلة في التمسك بطاعة الله ﴿ ونجيناهما وقومهما ﴾ ومعناه إنا خلصنا موسى وهارون، ومن كان آمن بهما ﴿ من الكرب العظيم ﴾ أي الأذى الذي كان يؤذونهم بأن أهلك الله فرعون وقومه وغرقهم ﴿ ونصرناهم ﴾ يعني موسى وهارون وقومهما، ﴿ فكانوا هم الغالبين ﴾ لأعدائهم بالحجج الظاهرة وبالقهر، من حيث أن الله غرق أعداءهم ﴿ وآتيناهما ﴾ يعني موسى وهارون ﴿ الكتاب المستبين ﴾ يعني التوراة الداعي إلى ما فيه من البيان بالمحاسن التي تظهر منه في الاستماع، فكل كتاب لله بهذه الصفة من ظهور الحكمة فيه ﴿ وهديناهما الصراط المستقيم ﴾ يعني أرسلنا موسى وهارون ودللناهما على الطريق المؤدي إلى الحق الموصل إلى الجنة باخلاص الطاعة لله تعالى. وقال قتادة: الطريق المستقيم الاسلام ﴿ وتركنا عليهما في الآخرين ﴾ أي الثناء الجميل. بأن قلنا ﴿ سلام على موسى وهارون ﴾ كما قلنا ﴿ سلام على نوح في العالمين ﴾ (2). ثم اخبر تعالى ان مثل ما فعل لهما يفعل بالمحسنين المطيعين ويجزيهم بمثل ذلك على طاعاتهم، ودل ذلك على أن ما ذكره الله كان على وجه الثواب على الطاعات لموسى وهارون ومن تقدم ذكره، لان لفظ الجزاء يفيد ذلك. ثم اخبر ان موسى من جملة عباده المصدقين بجميع ما أوجبه الله عليهم العالمين بذلك.
1- سورة 95 التين آية 6.
2- آية 79 من هذه السورة.