الآيات 31-40

قوله تعالى: ﴿فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ، فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ، فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ، إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ، إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ، وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ، بَلْ جَاء بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ، إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ، وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ، إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾

هذا تمام ما حكى الله عن المغاوين للكفار يوم القيامة بأنهم إذا قالوا لهم لم يكن لنا عليكم من سلطان، وإنما أنتم كنتم قوما طاغين، أخبروا أيضا وقالوا " فحق علينا " أي وجب علينا " قول ربنا " بأنا لا نؤمن، ونموت على الكفر أو وجب علينا قول ربنا بالعذاب الذي يستحق على الكفر والاغواء " إنا لذائقون " العذاب يعني إنا ندركه كما ندرك المطعوم بالذوق، ثم يعترفون على أنفسهم بأنهم كانوا غاوين، أي دعوناكم إلى الغي وقيل: معناه خيبناكم طرق الرشاد فغوينا نحن أيضا وخيبنا، فالاغواء الدعاء إلى الغي، والغي نقيض الرشد، وأصله الخيبة من قول الشاعر:

فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره * ومن يغو لا يعدم على الغي لائما (1)

ويكون (أغوى) بمعنى خيب، ومنه قوله " رب بما أغويتني " (2) أي خيبتني. ثم اخبر تعالى انهم في ذلك اليوم مشتركون في العذاب، ومعنى اشتراكهم اجتماعهم في العذاب الذي هو يجمعهم. ثم اخبر تعالى فقال إن مثل فعلنا بهؤلاء نفعل بجميع المجرمين، وبين أنه إنما فعل بهم ذلك، لأنهم " كانوا إذا قيل لا إله " معبود يستحق العبادة " إلا الله يستكبرون " عن قبول ذلك، وطلبوا التكبر، وهذه لفظة ذم من حيث استكبروا عن قول الحق. وحكى ما كانوا يقولون إذا دعوا إلى عبادة الله وحده فإنهم كانوا " يقولون أإنا لتاركوا آلهتنا " ومعنى ذلك إنا نترك عبادة آلهتنا " لشاعر مجنون " يدعونا إلى خلافه، يعنون بذلك النبي صلى الله عليه وآله يرمونه بالجنون تارة وبالشعر أخرى - وهو قول الحسن وقتادة - لفرط جهلهم حتى قالوا هذا القول الفاحش الذي يفضح قائله، لان المعلوم انه صلى الله عليه وآله كان بخلاف هذا الوصف، والجنون آفة تغطي على العقل حتى يظهر التخليط في فعله، وأصله تغطية الشئ: جن عليه الليل إذا غطاه، ومنه المجن لأنه يستر صاحبه، ومنه الجنان الروح، لأنها مستورة بالبدن، ومنه الجنة لأنها تحت الشجر. ثم اخبر تعالى تكذيبا لهم بأن قال ليس الامر على ما قالوه " بل " النبي صلى الله عليه وآله " جاء بالحق " من عند الله وهو ما يجب العمل به " وصدق " مع ذلك " المرسلين " جميع من أرسله الله قبله، ثم خاطب الكفار، فقال " إنكم لذائقوا العذاب الأليم " يعني المؤلم الموجع جزاء على تكذيبكم بآياتنا وليس " تجزون إلا " على قدر " ما كنتم تعملون " من المعاصي ثم استثنى من جملة المخاطبين " عباد الله المخلصين " وهم الذين أخلصوا العبادة لله وأطاعوه في كل ما أمرهم به، فإنهم لا يذوقون العذاب وإنما ينالون الثواب الجزيل.

1- مر في 2 / 312 و 4 / 391 و 5 / 548 و 6 / 336 و 7 / 136، 218 و 8 / 36.

2- سورة 15 الحجر آية 39.