الآيات 1?10
مكية في قول مجاهد وقتادة والحسن وهي مئة واثنان وثمانون آية في المدنيين وإحدى وثمانون في البصري وليس فيها ناسخ ومنسوخ.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: ﴿وَالصَّافَّاتِ صَفًّا، فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا، فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا، إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ، رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ، إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ، وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ، لَا يَسَّمَّعُونَ إلى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ، دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ، إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ﴾
القراءة:
ادغم أبو عمرو - إذا أدرج - التاء في الصاد، والتاء في الزاي، والتاء في الذال في قوله ﴿ والصافات صفا فالزاجرات زجرا فالتاليات ذكرا ﴾ لقرب مخرجهما إذا كانا من كلمتين، وافقه حمزة في جميع ذلك. الباقون بالاظهار لان قبل التاء حرفا ساكنا، وهو الألف، لان مخارجها متغايرة. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر ﴿ بزينة الكواكب ﴾ ولذلك كان يجوز أن يقرأ برفع الكواكب غير أنه لم يقرأ به أحد، ولو قرئ به لجاز. وقرأ أبو بكر عن عاصم ﴿ بزينة ﴾ منونا ﴿ الكواكب ﴾ نصبا على معنى تزييننا الكواكب. الباقون ﴿ بزينة ﴾ منونا ﴿ الكواكب ﴾ خفضا على البدل، وهو بدل الشئ من غيره، وهو بعينه، لان الزينة هي الكواكب، وهو بدل المعرفة من النكرة، ومثله قوله ﴿ لنسفعا بالناصية ناصية ﴾ (1) فأبدل النكرة من المعرفة. وقرأ الكسائي وحمزة وخلف وحفص عن عاصم ﴿ لا يسمعون ﴾ بالتشديد، وأصله لا يتسمعون، فأدغم التاء في السين. الباقون بالتخفيف لان معنى سمعت إلى فلان وتسمعت إلى فلان واحد. وإنما يقولون تسمعت فلانا بمعنى أدركت كلامه بغير (إلى). ومن شدد كرر، لئلا يشتبه. قال ابن عباس: كانوا لا يتسمعون ولا يسمعون. هذه أقسام من الله تعالى بالأشياء التي ذكرها، وقد بينا أن له تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه، وليس لخلقه أن يحلفوا إلا بالله. وقيل إنما جاز أن يقسم تعالى بهذه الأشياء، لأنها تنبئ عن تعظيمه بما فيها من القدرة الدالة على ربها. وقال قوم: التقدير: ورب الصافات، وحذف لما ثبت من أن التعظيم بالقسم لله. وجواب القسم قوله ﴿ إن الهكم لواحد ﴾ وقال مسروق وقتادة والسدي: إن الصافات هم الملائكة مصطفون في السماء يسبحون الله. وقيل: صفوف الملائكة في صلاتهم عند ربهم - ذكره الحسن - وقيل: هم الملائكة تصف أجنحتها في الهواء واقفة حتى يأمرها الله بما يريد، كما قال ﴿ وإنا لنحن الصافون ﴾ (2) وقال أبو عبيدة: كل شئ من السماء والأرض لم يضم قطريه فهو صاف، ومنه قوله ﴿ والطير صافات ﴾ (3) إذا نشرت أجنحتها، والصافات جمع الجمع، لأنه جمع صافة. وقوله ﴿ فالزاجرات زجرا ﴾ قال السدي ومجاهد: هم الملائكة يزجرون الخلق عن المعاصي زجرا يوصل الله مفهومه إلى قلوب العباد، كما يوصل مفهوم اغواء الشيطان إلى قلوبهم ليصح التكليف، وقيل: إنها تزجر السحاب في سوقها. وقال قتادة: ﴿ الزاجرات زجرا ﴾ آيات القرآن تزجر عن معاصي الله تعالى، والزجر الصرف عن الشئ لخوف الذم والعقاب، وقد يكون الصرف عن الشئ بالذم فقط على معنى انه من فعله استحق الذم. وقوله ﴿ فالتاليات ذكرا ﴾ قيل فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: قال مجاهد والسدي: هم الملائكة تقرأ كتب الله.
وقال قتادة: هو ما يتلى في القرآن.
وقال قوم: يجوز أن يكون جماعة الذين يتلون القرآن. وإنما قال ﴿ فالتاليات ذكرا ﴾ ولم يقل تلوا، كما قال ﴿ فالزاجرات زجرا ﴾ لان التالي قد يكون بمعنى التابع تقول: تلوت فلانا إذا تبعته بمعنى جئت بعده، ومنه قوله ﴿ والقمر إذا تلاها ﴾ (4) فلما كان مشتركا، بينه بما يزيل الابهام، وكل هذه اقسام على أن الإله الذي يستحق العبادة واحد لا شريك له. وقوله ﴿ رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق ﴾ معناه إن إلهكم الذي يستحق العبادة واحد وهو الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما من سائر الأجناس من الحيوان والنبات والجماد ﴿ ورب المشارق ﴾ ومعناه ويملك التصرف فيها، والمشارق هي مشارق الشمس، وهي مطالعها بعدد أيام السنة ثلاثمائة وستون مشرقا وثلاثمائة وستون مغربا، ذكره السدي. ثم اخبر تعالى عن نفسه، فقال ﴿ إنا زينا السماء الدنيا ﴾ والتزيين التحسين للشئ وجعله صورة تميل إليها النفس، فالله تعالى زين السماء الدنيا على وجه يمتع الرائي لها، وفي ذلك النعمة على العباد مع ما لهم فيها من المنفعة بالفكر فيها والاستدلال على صانعها. والكواكب هي النجوم كالبدر والسماء بها زينة قال النابغة:
بأنك شمس والملوك كواكب * إذا طلعت لم يبق منهن كوكب
وقوله ﴿ وحفظا من كل شيطان مارد ﴾ معناه وحفظناها حفظا. والحفظ المنع من ذهاب الشئ، ومنه حفظ القرآن بالدرس المانع من ذهابه. والمارد الخارج إلى الفساد العظيم، وهو وصف للشياطين وهم المردة، واصله الانجراد، ومنه الأمرد، والمارد المتجرد من الخير، وقوله ﴿ لا يسمعون ﴾ من شدد أراد لا يتسمعون وأدغم التاء في السين، ومن خفف أراد أيضا لا يتسمعون في المعنى ﴿ إلى الملا الاعلى ﴾ يعني الملائكة الذين هم في السماء وقوله ﴿ ويقذفون من كل جانب ﴾ معناه يرمون بالشهب من كل جانب إذا أرادوا الصعود إلى السماء للاستماع ﴿ دحورا ﴾ أي دفعا لهم بعنف، يقال: دحرته دحرا ودحورا، وإنما جاز أن يريدوا استراق السمع مع علمهم بأنهم لا يصلون، وانهم يحرقون بالشهب، لأنهم تارة يسلمون إذا لم يكن من الملائكة هناك شئ لا يجوز أن يقفوا عليه، وتارة يهلكون كراكب البحر في وقت يطمع في السلامة. وقوله ﴿ ولهم عذاب واصب ﴾ قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد: معناه إن لهم مع ذلك أيضا عذابا دائما يوم القيامة، ومنه قوله تعالى ﴿ وله الدين واصبا ﴾ (5) أي دائما قال أبو الأسود:
لا ابتغي الحمد القليل بقاؤه * يوما بذم الدهر اجمع واصبا (6)
اي دائما. وقوله ﴿ إلا من خطف الخطفة ﴾ لما اخبر الله تعالى أن الشياطين لا يستمعون إلى الملا الاعلى ولا يصغون إليهم أخبر انهم متى راموا رموا من كل جانب دفعا لهم على أشد الوجوه. ثم قال ﴿ إلا من خطف الخطفة ﴾ أي استلب السماع استلابا، والخطفة الاستلاب بسرعة، فمتى فعل أحدهم ذلك ﴿ اتبعه شهاب ثاقب ﴾ قال قتادة: والشهاب كالعمود من نار، وثاقب مضى كأنه يثقب بضوئه يقال أثقب نارك واستثقبت النار إذا استوقدت وأضاءت، ومنه قولهم: حسب ثاقب أي مضى شريف، قال أبو الأسود:
أذاع به في الناس حتى كأنه * بعلياء نار أوقدت بثقوب (7)
أي بحيث يضئ ويعلو.
1- سورة 96 العلق آية 15.
2- آية 165 من هذا السورة.
3- سورة 24 النور آية 41.
4- سورة 91 الشمس آية 2.
5- سورة 16 النحل آية 52.
6- مر في 6 / 390.
7- مجاز القرآن 1 / 133 و 2 / 167.