الآيات 81-85
قوله تعالى: ﴿وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا، كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا، أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا، فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا، يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إلى الرَّحْمَنِ وَفْدًا﴾
القراءة:
قرأ ان نهيك " كلا سيكفرون " - بضم الكاف - بمعنى جميعا سيكفرون. الباقون بفتح الكاف. اخبر الله تعالى أن هؤلاء الكفار الذين ذكرهم ووصفهم بأنهم " اتخذوا من دون الله آلهة " عبدوها ووجهوا عبادتهم نحوها " ليكونوا لهم عزا " والاتخاذ اعداد الشئ ليأتيه في العاقبة، فهؤلاء اتخذوا الآلهة ليصيروا إلى العز فصاروا بذلك إلى الذل، فسخط الله عليهم وأذلهم. والعز الامتناع من الضيم عز يعز عزا، فهو عزيز أي منيع من أن ينال بسوء. فقال الله تعالى " كلا سيكفرون بعبادتهم " أي حقا ليس الامر على ما قالوه بل سيكفرون بعبادتهم. وقيل في معناه قولان:
أحدهما: إن معناه سيجحدون أن يكونوا عبدوها، لما يرون من سوء عاقبتها. وهذا جواب من أجاز وقوع القبائح والكذب من أهل الآخرة.
الثاني: سيكفرو ما اتخذوه آلهة بعبادة المشركين لها، كما قال الله تعالى " تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون " (1) أي بأمرنا وإرادتنا " ويكونون عليهم ضدا " وقيل في معناه قولان:
أحدهما: قال مجاهد: يكونون عونا في خصومتهم وتكذيبهم.
الثاني: قال قتادة يكونون قرناءهم في النار يلعنونهم ويتبرؤون منهم. ثم قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله (ألم تر) يا محمد (أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين). أي لما سلط الكفار الشياطين على نفوسهم وقبلوا منهم واتبعوهم خلينا بينهم وبينهم حتى اغووهم، ولم نحل بينهم بالالجاء، ولا بالمنع، وعبر عن ذلك بالارسال على ضرب من المجاز. ومثله قوله (فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى اجل مسمى) (2) ويحتمل أن يكون أراد به يرسل الشياطين عليهم في النار بعد موتهم يعذبوهم ويلعنونهم، كما قال (فو ربك لنحشرنهم والشياطين) (3) ويقال أرسلت الباز والكلب على الصيد إذا خليت بينه وبينه. وقوله " تؤزهم أزا " أي تزعجهم إزعاجا. والاز الازعاج إلى الامر، أزه أزا وأزيزا إذا هزه بالازعاج إلى أمر من الأمور. ثم قال تعالى " فلا تعجل " على هؤلاء الكفار " إنما نعد لهم عدا " الأيام والسنين. وقيل الأنفاس. وقوله (يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا) أي اذكر يوم نحشر الذين اتقوا معاصي الله وفعلوا طاعاته إلى الرحمن وفدا اي ركبانا في قدومهم، ووحد لأنه مصدر وفد، ويجمع وفودا، تقول: وفدت أفد وفدا فأنا وافد. وقيل: انهم يؤتون بنوق لم ير مثلها، عليها رحال الذهب وأزمتها الزبرجد، فيركبون عليها حتى يصيروا إلى أبواب الجنة - في قول ابن عباس - وقيل: معناه يحشرهم الله جماعة جماعة.
1- سورة 39 الزمر آية 42.
2- سورة 19 مريم آية 68.
3- مر تخريجه في 7 / 73 من هذا الكتاب.