الآيات 66-70
قوله تعالى: ﴿وَيَقُولُ الْإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا، أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا، فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا، ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا، ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا﴾
القراءة:
قرأ نافع وابن عامر وعاصم " أولا يذكر " خفيفا. الباقون بالتشديد. من شدد: أراد أولا يتذكر، فادغم التاء في الذال لقرب مخرجيهما. ومن خفف، فلقوله " فمن شاء ذكره " (1) والخفيفة دون ذلك في الكثرة في هذا المعنى. هذا حكاية من الله تعالى عن قول من ينكر البعث والنشور من الكفار، وهم المعنيون بقوله " أولا يذكر الانسان " بأنهم يقولون على وجه الانكار والاستعباد: أ إذا متنا يخرجنا الله احياء ويعيدنا كما كنا ؟! فقال الله تعالى منبها على دليل ذلك " أولا يذكر الانسان ". من شدد أراد أولا يتفكر، ومن خفف أراد أولا يعلم " أنا خلقناه من قبل " هذا " ولم يك شيئا " موجودا، فمن قدر على أن يخلق ويوجد ما ليس بشئ، فيجعله شيئا موجودا، فهو على إعادته بعد عدمه إلى الحالة الأولى أقدر. ثم اقسم تعالى فقال " فو ربك لنحشرنهم " أي لنبعثنهم من قبورهم مقرنين بأوليائهم من الشياطين. ويحتمل (الشياطين) أن يكون نصبا من وجهين:
أحدهما: أن يكون مفعولا به بمعنى ونحشر الشياطين.
الثاني: أن يكون مفعولا معه بمعنى لنحشرنهم مع الشياطين " ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا " جمع جائي وهو الذي برك على ركبتيه. وقوله " ثم لننزعن عن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا " يعني تمردا أي نبدأ بالأكبر جرما فالأكبر، في قول أبي الأحوص، ومجاهد. والشيعة هم الجماعة المتعاونون على أمر واحد من الأمور، ومنه تشايع القوم إذا تعاونوا، ويقال للشجاع: شيع أي معان، وفى رفع (أيهم) ثلاثة أقوال:
أولها: الحكاية على تقدير، فيقال لهم أيهم أشد على الرحمن عتيا؟فليخرج.
الثاني: انه مبني على الضم، ومعناه الذي هو أشد على الرحمن عتيا، إلا أنه مبني لما حذف منه (هو)، واطرد الحذف به فصار كبعض الاسم. فالأول قول الخليل. والثاني مذهب سيبويه.
الثالث: أن يكون (لننزعن) معلقة كتعليق علمت أيهم في الدار، وهو قول يونس. وأجاز سيبويه النصب على أن يكون (أي) بمعنى الذي. وذكر انها قراءة هارون الأعرج. وقوله " ولم يك شيئا " أي لم يكن شيئا موجودا كائنا. ثم أخبر تعالى أنه اعلم بالذين عملوا المعاصي وارتكبوا الكفر والكبائر، والذين هم أولى بالنار صليا، لا يخفى عليه خافية.
1- سورة 3 آل عمران آية 97.