الآيات 61-65
قوله تعالى: ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا، لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلاَّ سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا، تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا، وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا، رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾
" جنات " في موضع نصب بدلا من قوله " الجنة " في قوله " يدخلون الجنة " وكان يجوز الرفع بتقدير هي جنات. والجنة البستان الذي يجنه الشجر، فإذا لم يكن في البستان شجر، ويكون من خضرة، فهو روضة، ولا يسمى جنة. وإنما قيل " جنات " على لفظ الجمع، لان كان واحد من المؤمنين له جنة تجمعها الجنة العظمى. والعدن الإقامة يقال: عدن بالمكان يعدن عدنا إذا أقام به. والإقامة كون بالمكان على مرور الأزمان. والوعد الاخبار بما يتضمن فعل الخير، ونقيضه الوعيد، وهو الاخبار عن فعل الشر. وقد يقال: وعدته بالشر، ووعدته بالخير، وأوعدته بالشر. وأوعدته لا يكون إلا في الشر، والمراد بالوعد - ههنا - الموعود. ومعنى مأتيا مفعولا. ويجوز في مثل هذا (آتيا) و (مأتيا) لان ما أتيته، فقد اتاك وما أتاك فقد أتيته، كما يقال أتيت على خمسين سنة وأتت علي خمسون سنة. وقيل معناه إنه كقولك اتيت خير فلان وأتاني خير فلان. وقوله " بالغيب " معناه أن الجنة التي وعدهم بها ليست حاضرة عندهم بل هي غائبة. وقوله " لا يسمعون فيها لغوا " معناه لا يسمعون في تلك الجنة القول الذي لا معنى له يستفاد، وهو اللغو. وقد يكون اللغو الهذر من الكلام. واللغو، واللغا بمعنى واحد قال الشاعر: عن اللغا ورفث التكلم (1) وقوله " إلا سلاما " يعني لكن سلاما وتحية من بعضهم لبعض، قال أبو عبيدة: تقديره لا يسمعون فيها لغوا إلا انهم يسمعون سلاما. وقال الزجاج: المعنى لا يسمعون كلاما يؤثمهم إلا كلاما يسلمهم، فيكون استثناء منقطعا. وقوله " ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا " قيل معناه في مقدار اليوم من أيام الدنيا، فذكر (الغداة والعشي) ليدل على المقدار، لأنه ليس في الجنة ليل، ولا نهار، وقيل: إنما ذكر ذلك، لان أسلم الا كلات اكلة الغداة والعشي، فهو أسلم من الاكل دائما أي وقت وجده، أو تكون اكلته واحدة. وقوله " تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا " معناه إنما نملك تلك الجنة من كان تقيا في دار الدنيا بترك المعاصي، وفعل الطاعات. وإنما قال " نورث " مع أنه ليس بتمليك نقل من غيرهم إليهم، لأنه مشبه بالميراث من جهة أنه تمليك بحال استؤنفت عن حال قد انقضت من أمر الدنيا، كما ينقضي حال الميت من أمر الدنيا. وقيل: انه أورثهم من الجنة المساكن التي كانت لأهل النار لو أطاعوا. وقوله " وما نتنزل إلا بأمر ربك " قيل في معناه أن النبي صلى الله عليه وآله استبطأ جبرائيل (ع) فقال (ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا) فاتاه بهذا الجواب وحيا من الله بأنا لا نتنزل إلا بأمر الله، وهو قول ابن عباس والربيع وقتادة والضحاك ومجاهد وإبراهيم. وقوله " له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك " قال ابن عباس والربيع وقتادة والضحاك وأبو العالية: له ما بين أيدينا: الدنيا، وما خلفنا: الآخرة، وما بين ذلك: ما بين النفختين. وقوله " وما كان ربك نسيا " أي ليس الله تعالى ممن ينسى ويخرج عن كونه عالما، لأنه عالم لنفسه، وتقديره - ههنا - وما نسيك وإن أخر الوحي عنك. وقوله " رب السماوات والأرض " معناه إن الله تعالى هو المالك المتصرف في السماوات والأرض، ليس لأحد منعه منه " وما بينهما " يعني وله ما بين السماوات والأرض. ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله " فاعبده " وحده لا شريك له " واصطبر لعبادته " أي اصبر على تحمل مشقة عبادته، وقال لنبيه صلى الله عليه وآله " هل تعلم له سميا " أي مثلا وشبها. وهو قول ابن عباس ومجاهد وابن جريج. وقيل المعنى انه لا يستحق أحد ان يسمى إلها إلا هو. ومن أدغم اللام في التاء، فلان مخرج اللام قريب من مخرج التاء. وقال أبو علي: ادغام اللام في الطاء والدال والتاء والصاد والزاي والسين جائز لقرب مخرج بعضها من بعض.
1- سورة 74 المدثر آية 55 وسورة 80 عبس آية 12.