الآيات 36-40
قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ، فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ، أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ، وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ، إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ﴾
القراءة:
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع ويعقوب إلا روحا " وأن الله " بفتح الهمزة الباقون بكسرها. من نصب الهمزة احتمل أربعة أوجه:
أحدها: إن المعنى وقضى الله " أن الله ربى وربكم " في قول أبى عمرو بن العلا.
والثاني: أنه معطوف على كلام عيسى، أي وأوصاني " أن الله ربى وربكم ".
والثالث: قال الفراء: إنه معطوف على " ذلك عيسى بن مريم " وذلك " أن الله ". ويكون موضعه الرفع بأنه خبر المبتدأ.
الرابع: ولان الله ربى وربكم فاعبدوه. والعامل فيه (فاعبدوه). ومن كسر (إن) استأنف الكلام. ويقوي الكسر انه روي أن أبيا قرأ " ان الله " بلا واو ويجوز أن يكون عطفا على قوله " قال إني عبد الله " وقوله " هذا صراط مستقيم " معناه عبادتكم لله وحده لا شريك له هو الصراط المستقيم الذي لا اعوجاج فيه. وقوله " فاختلف الأحزاب من بينهم " فالاختلاف في المذهب هو ان يعتقد كل قوم خلاف ما يعتقده الآخرون. والأحزاب جمع حزب. والحزب جمع المنقطع في رأيه عن غيره، يقال تحزب القوم إذا صاروا حزابا. وحزب عليهم الأحزاب أي جمع. والمعنى في الآية اختلف الأحزاب من أهل الكتاب في عيسى (ع)، فقال قتادة ومجاهد قال قوم: هو الله وهم اليعقوبية. وقال آخرون: هو ابن الله وهم النسطورية. وقال قوم: هو ثالث ثلاثة وهم الإسرائيلية. وقال قوم: هو عبد الله وهم المسلمون. ثم قال تعالى " فويل للذين كفروا " بآيات الله، وجحدوا وحدانيته من حضور يوم عظيم يعني يوم القيامة. وقوله " اسمع بهم وابصر يوم يأتوننا " معناه ما أسمعهم وأبصرهم على وجه التعجب، والمعنى انهم حلوا في ذلك محل من يتعجب منه، وفيه تهدد ووعيد أن سيسمعون ما يصدع قلوبهم ويردون ما يهيلهم. وقال الحسن وقتادة: المعنى لان كانوا في الدنيا صما عميا عن الحق، فما أسمعهم به، وما أبصرهم به يوم القيامة " يوم يأتوننا " أي يوم يأتون المقام الذي لا يملك أحد فيه الأمر والنهي غير الله. ثم قال تعالى " لكن الظالمون " أنفسهم بارتكاب معاصيه وجحد آياته والكفر بأنبيائه " اليوم " يعني في دار الدنيا " في ضلال " عن الحق وعدول عنه " بعيد " من الصواب. ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله " وانذرهم " يا محمد أي خوفهم هول " يوم الحسرة " أي اليوم الذي يتحسر فيه الناس على ما فرطوا فيه من طاعة الله، وعلى ما ارتكبوا من معاصيه في الوقت الذي " قضي الامر " وحكم بين الخلائق بالعدل " وهم في غفلة " اليوم عما يفعل بهم من العقاب على معاصيهم، وهم لا يصدقون بما يقال لهم ويخبرون به. ثم اخبر تعالى عن نفسه، فقال " انا نحن نرث الأرض ومن عليها " أي يعود إلينا التصرف في الأرض وفيمن عليها من العقلاء، وغيرهم، لا يبقى لاحد ملك " والينا يرجعون " أي يردون يوم القيامة إلى الموضع الذي لا يملك الأمر والنهي غيرنا.