الآيات 7-10
قوله تعالى: ﴿يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا، قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا، قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا، قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا﴾
القراءة:
قرأ حمزة " نبشرك " وفي آخرها (1) (لتبشر به) بالتخفيف فيهما الباقون بالتثقيل. وقرأ حمزة والكسائي (عتيا، وصليا، وبكيا، وجثيا) بكسر أوائلهن وافقهما حفص إلا في بكيا الباقون بضم أوائلهن. من كسر أوائل هذه الحروف فلمجاورة الياء. والأصل الضم، لأنه جمع فاعل مثل جالس وجلوس، وكذلك صال وصلي، والأصل صلوى ويكون على وزن فعول، فانقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء. والأصل في " عتيا " عتوا، لأنه من عتا يعتو " وبكيا " من بكى يبكي، كما قال تعالى " وعتوا عتوا كبيرا " (2) وإنما قيل " عتيا " ههنا بالياء، لأنه جمع عات، وأصله عاتو فانقلبت الواو ياء، لانكسار ما قبلها فبنوا الجمع على الواحد في قلب الواو (ياء) لان الجمع أثقل من الواحد. وقوله " وعتوا عتوا " مصدر، والمصدر يجري مجرى الواحد حكما: وإن كان في اللفظ مشاركا للجمع، لأنك تقول: قعد يقعد قعودا، وقوم قعود. وفى حرف أبي " وقد بلغت من الكبر عسيا " يقال للشيخ إذا كبر عسى يعسو، وعتا يعتو إذا يبس. وقرأ حمزة والكسائي " وقد خلقناك " على الجمع. الباقون - بالتاء - على التوحيد فمن قرأ بالنون فلقوله " وحنانا من لدنا " ومن قرأ بالتاء فلقوله " وهو علي هين " ولم يقل علينا، وهما سواء في المعنى. هذا حكاية ما قال الله تعالى لزكريا حين دعاه، فقال له " يا زكريا إنا نبشرك " والبشارة الاخبار بما بظاهر سروره في بشرة الوجه، يقال: بشره بشارة، وتبشيرا وأبشر بالامر ابشارا إذا استبشر به. وقوله " بغلام اسمه يحيى " فالغلام اسم للذكر أول ما يبلغ، وقيل: إنه منه اشتق اغتلم الرجل إذا اشتدت شهوته للجماع. وقيل اما سمي يحيى، لان الله تعالى أحياه بالايمان - في قول قتادة - وقوله (لم نجعل له من قبل سميا) قال ابن عباس: معناه لم تلد مثله العواقر ولدا. وقال مجاهد: لم نجعل له من قبل مثلا. وقال ابن جريج وقتادة و عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، والسدي: معناه لم يسم أحدا باسمه. وقيل إنه لم يسم أحدا من الأنبياء باسمه قبله، فقال زكريا عند ذلك (انى يكون لي غلام) أي كيف يكون لي غلام (وامرأتي عاقر) لا يلد مثلها " وقد بلغت " أنا أيضا " من " السن و " الكبر عتيا " فالعتي والعسي واحد، يقال عتا عتوا وعتيا، وعسى يعسو عسيا وعسوا فهو عات وعاس بمعنى واحد، والعاسي هو الذي غيره طول الزمان إلى حال اليبس والجفاف. وقال قتادة: كان له بضع وسبعون سنة، فقال الله تعالى له " كذلك " هوان الامر على ما أخبرتك " قال ربك هو علي هين " أي ليس يشق علي خلق الولد من بين شيخ وعاقر لأني قادر على كل شئ وكيف يعسر علي ذلك " وقد خلقتك " يا زكريا " من قبل " ذلك " ولم تك شيئا " أي لم تكن موجودا ومن نفى أن يكون المعدوم شيئا استدل بذلك، فقال لو كان المعدوم شيئا لما نفى أن يكون شيئا قبل ذلك وحمل قوله " إن زلزلة الساعة شئ عظيم " (3) على المجاز، والمعنى انها إذا وجدت كانت شيئا عظيما، ومن قال: المعدوم شئ قال: أراد ولم يكن شيئا موجودا. ولم يكن قول زكريا " انى يكون لي ولد " على وجه الانكار بل كان ذلك على وجه التعجب من عظم قدرة الله. وقيل: أنه قال ذلك مستخبرا، وتقديره ابتلك الحال أو بقلبه إلى حال الشباب، ذكره الحسن، فقال زكريا يا عند ذلك يا " رب اجعل لي آية " أي دلالة وعلامة استدل بها على وقت كونه، فقال الله تعالى له " آيتك " أي علامتك على ذلك " ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا " فقال ابن عباس اعتقل لسانه من غير مرض ثلاثة أيام. وقال قتادة والسدي وابن زيد اعتقل لسانه من غير خرس. وفي زكريا ثلاث لغات (زكرياء) ممدود (وزكريا) مقصور و (زكرى) مشدد. (وقرئ بالمقصور والمدور دون اللغة الثالثة) (4).
1- سورة 25 (الفرقان) آية 21.
2- سورة 22 (الحج) آية 1.
3- ما بين القوسين ساقط من المطبوعة.
4- ديوانه 216.