الآيات 108-110
قوله تعالى: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا، قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا، قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾
القراءة:
قرأ أهل الكوفة إلا عاصما " قبل أن ينفد " بالياء. الباقون بالتاء. فمن قرأ بالتاء، فالتأنيث الكلمات، ومن قرأ بالياء، فلان التأنيث ليس بحقيقي. وقد مضى نظائر ذلك. اخبر الله تعالى عن أحوال المؤمنين الذين وصفهم بالأعمال الصالحة وأن لهم جنات الفردوس جزاء على أعمالهم بأنهم خالدون في تلك الجنات. ونصب " خالدين " على الحال. وقوله " لا يبغون عنها حولا " أي لا يطلبون عنها التحول والانتقال إلى مكان غيرها. وقال مجاهد: الحول التحول أي لا يبغون متحولا. وقد يكون معناه التحول من حال إلى حال، ويقال حال عن مكانه حولا مثل صغر صغر أو كبر كبرا. ثم أمر نبيه صلى الله عليه وآله أن يقول لجميع المكلفين: قل لو كان ماء البحر مدادا في الكثرة لكتابة كلمات الله لنفد ماء البحر ولم تنفد كلمات الله بالحكم، والبحر مستقر الماء الكثير الواسع الذي لا يرى جانباه من وسطه وجمعه أبحر وبحار وبحور، والمداد هو الجائي شيئا بعد شئ على اتصال. والمداد الذي يكتب به. والمدد المصدر. وهو مجئ شئ بعد شئ. وقال مجاهد: هو مداد العلم. والكلمة الواحدة من الكلام، ولذلك يقال للقصيدة: كلمة، لأنها قطعة واحدة من الكلام، والصفة المفردة: كلمة. و (مددا) نصب على التمييز، وهذا مبالغة لوصف ما يقدر الله تعالى عليه من الكلام والحكم. ثم قال قل لهم " إنما انا بشر مثلكم " لست بملك. آكل واشرب " يوحى إلي إنما الهكم إله واحد " أي يوحى إلي بأن معبودكم الذي يحق له العبادة واحد " فمن كان " منكم " يرجو لقاء ربه " لقاء ثوابه أو عقابه ويرجو معناه يأمل. وقيل معناه يخاف " فليعمل عملا صالحا " أي طاعة يتقرب بها إليه " ولا يشرك بعبادة " الله أحدا غيره: من ملك ولا بشر ولا حجر، ولا مدر ولا شجر، فتعالى الله عن ذلك علو كبيرا. وقال سعيد بن جبير معنى " لا يشرك بعبادة ربه أحدا " أي لا يرائي بعبادة الله غيره. وقال الحسن: لا يعبد معه غيره. وقيل إن هذه الآية آخر ما نزل من القرآن. وقال ابن جريج قال حي بن اخطب: تزعم يا محمد إنا لم نؤت من العلم إلا قليلا، وتقول ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا، فكيف يجتمعان، فنزل قوله تعالى " قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي " ونزل " ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام... " (1) الآية.
1- ما بين القوسين ساقط من المطبوعة.