الآيات 16-20
قوله تعالى: ﴿قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ، وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ، قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ، قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ، وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾
لما حكى الله تعالى عن أهل القرية انهم قالوا للرسل ﴿ إن أنتم إلا تكذبون ﴾ في ادعائكم الرسالة على الله حكى ما أجابهم به الرسل فإنهم ﴿ قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون ﴾ ووجه الاحتجاج بذلك انه يلزمهم بقولهم الحذر من مخالفتهم والنظر في معجزاتهم ليعلموا انهم صادقون على الله، ففي ذلك تحذير شديد. ثم قال الرسل لهم أيضا ﴿ وما علينا إلا البلاغ المبين ﴾ أي ليس يلزمنا أكثر من البلاغ المبين، والمعنى انه لو جاءكم رسول غيرنا هل كان عليه إلا البلاغ؟على حد ما بلغنا. والبلاغ مجئ الشئ إلى حد يقف عنده، بلغ الشئ يبلغ بلوغا وبلاغا، فهو بالغ. ومنه البلاغة، ومثل الابلاغ الافهام والايصال. والمبين صفة للبلاغ، وهو الظاهر الذي لا شبهة فيه، فقالوا لهم في الجواب عن ذلك حين عجزوا عن إيراد شبهتم، وعدلوا عن النظر في معجزهم ﴿ انا تطيرنا بكم ﴾ أي تشاءمنا بكم، والتطير التشاؤم. ثم هددوهم فقالوا ﴿ لئن لم تنتهوا ﴾ عن ما تدعونه من النبوة والرسالة ﴿ لنرجمنكم ﴾ بالحجارة - في قول قتادة - وقال مجاهد: معناه لنشتمنكم: فالرجم الرمي بالحجارة، يقال: رجم يرجم رجما، ورجم بالغيب ترجيما ﴿ وليمسنكم منا عذاب اليم ﴾ عند ذلك، فقال لهم الرسل ﴿ طائركم معكم ﴾ أي الشؤم كله معكم بإقامتكم على الكفر بالله. وقال الفراء: معنى ﴿ طائركم معكم ﴾ أي اعمالكم في رقابكم تجازون عليها. وقال المبرد: معنى (طائركم) حظكم ونصيبكم من الخير والشر. وهو قول أبي عبيدة. والطيرة الشؤم. ومنه قوله صلى الله عليه وآله ﴿ لا عدوى ولا هامه ولا صقر ولا غلول ﴾ وفلان لا يطير غرابه، وهو ساكن الطائر، إذا كان ساكنا وقورا، وفلان لا يطور بنا أي لا يقربنا، وما في الدار طوري ولا طوراني أي لا أحد. وعدا فلان طوره إذا جاوز قدره. وقوله ﴿ ائن ذكرتم ﴾ قرأه ابن كثير ونافع وأبو عمرو والمفضل عن عاصم - بهمزة بعدها ياء - وهي همزة بين بين. والباقون بهمزتين مخففتين: إحداهما همزة الاستفهام، والأخرى - همزة (إن) وجواب (ائن ذكرتم) محذوف وتقديره أئن ذكرتم هذا القول. وقال قوم: معناه أئن ذكرتم طائركم معكم وقال قوم: جعله جزاء قدم خبره عليه لما كان غير مجزوم اللفظ. وقيل: أئن ذكرتم تطيركم قلتم ما قلتم، ﴿ بل أنتم قوم مسرفون ﴾ على نفوسكم، لأنكم تجاوزتم حد العصيان حين كفرتم بالله وبوحدانيته. وقيل: كان اسم صاحب (يس) الذي قتله قومه حبيب بن مري. حكى الله تعالى انه ﴿ جاء من أقصى المدينة رجل يسعى ﴾ أي رجل من أبعد المدينة جاء يعدوا ويشتد ﴿ فقال يا قوم اتبعوا المرسلين ﴾ الذين أرسلهم الله إليكم واقروا بنبوتهم وبرسالتهم. وقرأ أبو جعفر (أئن) بفتح الهمزة الثانية. وبه قال زوين بن حبيش. ومعناه لان ذكرتم. الباقون بكسرها. وقرأ أبو جعفر (ذكرتم) بالتخفيف. الباقون بتشديدها.