الآيات 96-98
قوله تعالى: ﴿آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا، فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا، قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا﴾
القراءة:
قرأ " الصدفين " - بضم الصاد والدال - ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، الباقون - بفتح الصاد والدال - إلا أبا بكر عن عاصم، فإنه ضم الصاد وسكن الدال. وقرأ أهل الكوفة إلا حفصا " قال آتوني " قصرا. الباقون ممدودا. وقرأ حمزة وحده " فما اسطاعوا " مشددة الطاء بالادغام، وهو ضعيف - عند جميع النحويين - لان فيه جمعا بين ساكنين. حكى الله تعالى عن ذي القرنين أنه قال للقوم الذين شكوا إليه فساد يأجوج ومأجوج في الأرض وبذلوا له المال، فلم يقبله، وقال لهم أعينوني برجال وأعطوني وجيئوا بزبر الحديد، لاعمل منه - في وجوه يأجوج ومأجوج - الردم. والزبرة الجملة المجتمعة من الحديد والصفر ونحوهما، واصله الاجتماع، ومنه (الزبور) وزبرت الكتاب إذا كتبته، لأنك جمعت حروفه. والحديد معروف حددته تحديدا إذا أرهتفه، ومنه حد الشئ نهايته. وقال ابن عباس ومجاهد: زبر الحديد قطع الحديد. وقال قتادة: فلق الحديد. وقوله " حتى إذا ساوى بين الصدفين " تقديره انهم جاؤوا بزبر الحديد وطرحوه حتى إذا ساوى بين الصدفين مما جعل بينهما أي وازى رؤسهما. والصدفان جبلان - في قول ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، وإبراهيم - وقيل: هما جبلان كل واحد منهما منعزل عن الآخر كأنه قد صدف عنه، وفيه ثلاث لغات - ضم الصاد والدال وفتحهما وتسكين الدال وضم الصاد - فال الراجز:
قد أخذت ما بين عرض الصدفين * ناحيتيها وأعالي الركنين (1)
وقال أبو عبيدة: الصدفان جانبا الجبل. وقوله " قال انفخوا " يعني قال ذو القرنين انفخوا النار على الحديد، والزبر فنفخوا " حتى إذا جعله نارا " أي مائعا مثل النار، قال لهم " آتوني " اي اعطوني. وقرئ بقطع الهمزة ووصلها، فمن قطع، فعلى ما قلناه، ومن وصل خفض وقصر، وقيل معناه جيئوني " أفرغ عليه قطرا " نصب (قطرا) ب? (أفرغ) ولو نصبه ب? (آتوني) لقال أفرغه. والقطر النحاس في قول ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة - وأراد بذلك أن يلزمه. وقال أبو عبيدة: القطر الحديد المذاب وانشد:
حساما كلون الملح صاف حديده * جرازا من أقطار الحديد المنعت (2)
وقال قوم: هو الرصاص النقر، واصله القطر، وكل ذلك إذا أذيب قطر كما يقطر الماء. وقوله فما اسطاعوا أن يظهروه أي لم يقدروا أن يعلوه " وما استطاعوا له نقبا " من أسفله - في قول قتادة. وفي (استطاع) ثلاث لغات، استطاع يستطيع، واسطاع يسطيع، بحذف التاء، واستاع يستيع بحذف الطاء، استثقلوا اجتماعهما من مخرج واحد. فأما اسطاع يسطيع، فهي من أطاع يطيع، جعلوا السين عوضا من ذهاب حركة العين. ثم " قال " ذو القرنين " هذا " الذي يسهل فعله من الردم بين الجبلين نعمة " من ربي " عليكم " فإذا جاء وعد ربي " لاهلاكه عند اشراط الساعة " جعله دكاء " أي مدكوكا مستويا بالأرض، من قولهم: ناقة دكاء، لا سنام لها، بل هي مستوية السنام. ومن قرأ " دكا " منونا أراد دكه دكا، وهو مصدر. ومن قرأ بالمد أراد جعل الجبل أرضا دكاء منبسطة وجمعها دكاءات. وقال ابن مسعود: في حديث مرفوع إن ذلك يكون بعد قتل عيسى الدجال. وقيل إن هذا السد وراء بحر الروم بين جبلين هناك يلي مؤخرهما البحر المحيط. وقيل: إنه وراء در بند، وبحر خزران من ناحية (أرمينية وآذربيجان) يمضي إليه. وقيل: ان مقدار ارتفاع السد مئتي ذرع وإنه من حديد يشبه الصمت وعرض الحائط نحو من خمسين ذراعا. وقوله " وكان وعد ربي حقا " معناه ما وعد الله بأنه يفعله، لابد من كونه، فإنه حق لا يجوز ان يخلف وعده وروي ان رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: اني رأيت سد يأجوج ومأجوج، فقال صلى الله عليه وآله فكيف رأيته قال رأيته كأنه رداء محبر، فقال له رسول لله صلى الله عليه وآله قد رأيته.
1- مجاز القرآن 1 / 415 وتفسير الطبري 16 / 19.
2- تفسير الطبري 16 / 22.