4 - وجود الأخبار الباطلة في الكتب المعروفة

الرابع: إنّ ممّا لا ريب فيه وجود أحاديث مزوّرة باطلة تسرّبت إلى الآثار الإسلامية بصورة عامّة، فقد تهاون الصحابة - إلاّ القليل منهم - في صدر الإسلام في تدوين الأحاديث النبوية، بل قد امتنع بعضهم من ذلك وكرهه ومنع الآخرين بالأساليب المختلفة، لأغراض مذكورة ليس هذا موضع إيرادها.

ثمّ لما أخذوا بالتدوين خبطوا خبط عشواء، وخلطوا الغثّ بالسمين، والصحيح بالسقيم، وأخذوا من أفواه اناس مشبوهين، وكتبوا عن أفراد كذّابين، حتى كثرت الأحاديث المدسوسة والموضوعة على لسان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، الأمر الذي علماء الحديث من أهل السنّة إلى وضع كتب تمكنّوا فيها من جمع مقدار كبير من تلك الموضوعات، ومن ناحية اخرى ألّفوا كتباً أوردوا فيها الأحاديث الصحيحة فحسب، وذلك بحسب اجتهاداتهم وآرائهم في الرجال وغير ذلك.

ولكنّ الواقع أنّ اولئك وهؤلاء لم يكونوا موفّقين كلّ التوفيق في عملهم ذاك، ولم يكونوا معصومين من الخطأ، بل لم يكن بعضهم مخلصاً في قيامة بتلك المهمّة، إذ لم تخل الكتب التي وضعوها لجمع " الموضوعات " من الأحاديث الصحيحة، كما لم تسلم الكتب التي سمّوها ب- " الصحاح " من الأحاديث الموضوعة. هذا حال الأحاديث لدى أهل السنّة باختصار.

وكذا الحال في أحاديث الإماميّة، فما أكثر الأحاديث المدسوسة في كتبهم من قبل المخالفين وأصحاب المذاهب والآراء الفاسدة، ولقد كان قد زمن كل إمام من الأئمة عليهم الصلاة والسلام من يضع الأحاديث عن لسانه وينسبها إليه، وينشرها بي الشيعة، ويضعها في متناول أيدي رواتهم، حتى تسرّبت إلى مجاميعهم الحديثيّة.

فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السّلام) أنه قال: " إنّ لكلّ رجل منّا رجل يكذب عليه "(1).

وقال: " إنا أهل البيت صادقون، لا تحلو من كذّابٍ يكذب علينا "(2).

وقال: " لا تقبلوا علينا حديثاً إلا ما وافق القرآن ولسنة أو تجدون معه شاهداً من أحاديثنا المتقدّمة، فإن المغيرة بن سعيد دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث... "(3).

ولذا، فإنّهم (عليه السلام) جعلوا الكتاب والسنة ميزاناً لأحدايثهم بعرض عليهما ما روي عنهم فما وافقهما اخذ به، وما خالفهما ردّ على صاحبه.

فالذي نريد أن نقوله هنا هو: إنّ إحتمال الدسّ والتزوير يدفع حجّيه كلّ خبر، ويمنع من الإعتماد عليه، ويفسد إعتباره " حتى ما كان منها صحيح الإسناد، فإنّ صحّة السند وعدالة رجال الطريق انّما يدفع تعمّدهم الكذب دون دسّ غيرهم في أصولهم وجوامعهم ما لم يرووه "(4).

وإذ انتهينا ممّا مهّدناه تقول: إنّ الذي أنتجه بحثنا الطويل وفحصنا الدقيق في كتب الشيعة الإمامية هو: أنّ المعروف والمشهور بينهم هو القول بعدم تحريف الكتاب، فإنّه رأي أعلام هذه الطائفة، منذ أكثر من ألف سنة حتى يومنا الحاضر، بين مصرّخ بذلك ومؤلّف فيه ومؤوّل لما ينافيه بظاهره، بل هو رأي من كتب في الإمامة ولم يتعرّض للتحريف.


1- المعتبر في شرح المختصر للمحقّق الحلّي: 2.

2- رجال الكشي: 593.

3- رجال الكشي: ترجمة المغيرة بن سعيد.

4- الميزان في تفسير القرآن 12: 115.