الآيات 11-15
قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ، إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ، وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ، إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ، قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ﴾
القراءة:
قرأ أبو بكر عن عاصم ﴿ فعززنا ﴾ مخففا بمعنى فقهرنا من قولهم: من عزيز الباقون بالتشديد يعني قوينا الاثنين بثالث معينا، لما قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله إن هؤلاء الكفار لا يؤمنون أبدا واخبره بأنه سواء عليهم الانذار وترك الانذار بين ههنا حال من ينتفع بالانذار فقال ﴿ إنما تنذر من اتبع الذكر ﴾ ومعناه إنما ينتفع بانذارك وتخويفك من اتبع الذكر، لان نفس الانذار قد حصل للجميع وأضافه - ههنا - إلى من اتبع الذكر لما كانوا المنتفعين به، كما قال ﴿ هدى للمتقين ﴾. والذكر المذكور - ههنا - القرآن - في قول قتادة - ﴿ وخشي الرحمن بالغيب ﴾ قيل في معناه قولان:
أحدهما: وخشي الرحمن وخاف ارتكاب معاصيه في غيبه عن الناس.
الثاني: وخشي الرحمن في ما غاب عنه من الآخرة وأمرها. ثم قال لنبيه من هذه صفته ﴿ فبشره بمغفرة ﴾ من الله لذنوبه ﴿ واجر ﴾ أي ثواب ﴿ كريم ﴾ وهو ما يفعله الله على وجه الاجلال والاكرام. وقيل: الاجر الكريم الجنة. ثم اخبر تعالى عن نفسه فقال ﴿ إنا نحن نحي الموتى ﴾ بعد أن أفنيناهم ﴿ ونكتب ما قدموا ﴾ من طاعاتهم ومعاصيهم في دار الدنيا، وهو قول مجاهد وقتادة ﴿ وآثارهم ﴾ قال مجاهد: يعني خطاهم إلى المساجد، لان نبي سلمة من الأنصار شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله بعد منازلهم من المسجد والصلاة مع رسول الله، فنزلت فيهم الآية وقيل: معناه وآثارهم التي تبقى بعدهم ويقتدى بهم فيها. ثم قال ﴿ وكل شئ أحصيناه في إمام مبين ﴾ ومعناه أحصيناه في كتاب ظاهر، وهو اللوح المحفوظ. والوجه في احصاء ذلك في إمام مبين اعتبار الملائكة به إذا قابلوا به ما يحدث من الأمور، وكان فيه دليل على معلومات الله على التفصيل. ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله ﴿ واضرب لهم مثلا ﴾ معناه اذكر لهم مثلا. وقيل: معناه مثل لهم مثلا، من قولهم: هؤلاء اضراب أي أمثال. وقوله ﴿ أصحاب القرية ﴾ قال عكرمة والفراء: هي أنطاكية ﴿ إذ جاءها المرسلون ﴾ اي حيث بعث الله إليهم بالرسل ﴿ إذ أرسلنا إليهم اثنين ﴾ يعني رسولين. وقال قوم: كانا رسولي عيسى من حواريه. وقال آخرون: كانا رسولين من رسل الله وهو الظاهر ﴿ فكذبوهما ﴾ أي جحدوا نبوتهما ﴿ فعززنا بثالث ﴾ أي فعززهما الله بثالث فيمن قرأ بالتشديد وشد ظهرهما به - في قول مجاهد وابن زيد - ومن خفف أراد فغلب الله بثالث أرسله إليهم ﴿ فقالوا ﴾ لهم يا أهل القرية ﴿ إنا إليكم مرسلون ﴾ أرسلنا الله إليكم ﴿ قالوا ﴾ لهم ﴿ ما أنتم إلا بشر مثلنا ﴾ أي ليس أنتم إلا بشر أمثالنا، فدخلت عليهم الشبهة فاعتقدوا أنه من حيث إنهم أمثالهم في البشرية لا يصلح ان يكونوا رسلا كمالا يصلحون هم لذلك ﴿ وما انزل الرحمن من شئ ﴾ مما تذكرونه وتدعونا إليه ﴿ ان أنتم إلا تكذبون ﴾ أي ليس أنتم إلا كاذبون على الله ومتخرصون عليه في ادعائكم الرسالة، وذهب عنهم معنى ﴿ اخترناهم على علم على العالمين ﴾ (1) وأنه تعالى علم من حال هؤلاء صلاحهم للرسالة وتحملهم لأعبائها ولم يعلم ذلك من حالهم بل على خلاف ذلك.
1- سورة 44 الدخان آية 32.