الآيات 88-91

قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا، ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا، حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا، كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا﴾

خمس آيات في الكوفي والبصري وأربع في المدنيين عدا " ثم اتبع سببا " آية. قرأ أهل الكوفة إلا أبا بكر " فله جزاء الحسنى " بالنصب والتنوين. الباقون بالرفع، والإضافة. فمن أضاف احتمل أن يكون أراد فله جزاء الطاعة، وهي الحسنى. ويحتمل أن يكون أراد فله الجنة وأضافه إلى الحسنى وهي الجنة، كما قال " وانه لحق اليقين " (1) ومن نون أراد فله الحسنى أي الجنة، لان الحسنى هي الجنة لا محاله. ونصبه يحتمل أمرين:

أحدهما: أن يكون نصبا على المصدر في موضع الحال أي فلهم الجنة يجزون بها جزاء.

الثاني: قال قوم: هو نصب على التمييز وهو ضعيف، لان التمييز يقبح تقديمه كقولك تفقأ زيد شحما، وتصبب عرقا، وله دن خلا، ولا يجوز له دن، وأما عرقا فما أحد اجازه إلا المازني. وشاهد الإضافة قوله " لهم جزاء الضعف " (2) والحسنى ههنا الجزاء. لما حكى الله تعالى ما قال ذو القرنين إن من ظلم نعذبه، وإن له عند الله عذابا نكرا، أخبر ان من صدق بالله ووحده وعمل الصالحات التي أمر الله بها " فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا " اي قولا جميلا ثم قال " ثم اتبع سببا حتى إذا بلغ مطلع الشمس " أي الموضع الذي تطلع منه مما ليس وراءه أحد من الناس فوجد الشمس " تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا " اي انه لم يكن بتلك الأرض جبل ولا شجر، ولا بناء، لان أرضهم لم يكن يبنى عليها بناء، فكانوا إذا طلعت الشمس عليهم يغورون في المياه والاسراب، وإذا غربت تصرفوا في أمورهم - في قول الحسن وقتادة وابن جريج - وقال قتادة هي الزنج. وقوله " كذلك " معناه كذلك هم. ثم قال " وقد أحطنا بما لديه خبرا " أي كذلك علمناهم وعلمناه. ويحتمل أن يكون المراد كذلك، اتبع سببا " إلى مطلع الشمس، كما اتبعه إلى مغربها. وقوله " ثم اتبع سببا " يعني طريقا ومسلكا لجهاد الكفار. وقال الحسن ان ذا القرنين كان نبيا ملك مشارق الأرض ومغاربها. وقال عبد الله بن عمر كان ذو القرنين والخضر نبيين وكذلك لقمان كان نبيا.


1- سورة 34 (سبأ) آية 27.

2- ديوانه (دار بيروت) 15 وهو مطلع معلقته، وتفسير الطبري 16 / 17 والقرطبي 11 / 59.