الآيات 68-70

قوله تعالى: ﴿وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا، قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ، قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا﴾

هذا حكاية ما قال الخضر لموسى (ع) حين قال " انك لمن تستطيع معي صبرا " اي كيف تصبر على ما لم تعلم من بواطن الأمور، ولا تخبرها، فقال له موسى (ع) عند ذلك " ستجدني " اي ستصادفني إن شاء الله صابرا، ولم يقل ذلك على وجه التكذيب، لكن لما اخبر به على ظاهر الحال فقيده بالمشيئة لله، لأنه جوز أن لا يصبر فيما بعد بأن يعجز عنه ليخرج بذلك من كونه كاذبا " ولا أعصي لك امرا " اي لا أخالف أو امرك، ولا اتركها. فقال الخضر: " فان اتبعتني " واقتفيت اثري " فلا تسألني عن شئ حتى احدث لك منه ذكرا " معناه لا تسألني عن باطن امر حتى أكون انا المبتدئ لك بذلك. والصبر تجرع مرارة تمنع النفس عما تنازع إليه. واصله حبس النفس عن امر من الأمور. و (الذكر) العلم، والذكر ادراك النفس للمعنى بحضوره كحضور نقيضه، ويمكن ان يجامعه علم يصحبه أو جهل أو شك. و " خبرا " نصب على المصدر. والتقدير لم تخبره خبرا. وقرأ نافع " تسألن " بتشديد النون. الباقون بتخفيفها وإثبات الياء إلا ابن عامر، فإنه حذف الياء. قال أبو علي قول ابن كثير ومن اتبعه: انهم عدوا (تسأل) إلى المفعول الذي هو المتكلم مثل (لا تضربني) و (لا تظلمني) ونافع إنما فتح اللام، لأنه لما ألحق الفعل النون الثقيلة بنى الفعل معها على الفتح وحذف الياء، وكسرت النون ليدل على الياء المحذوفة.