الآيات 25-27

قوله تعالى: ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا، قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا، وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾

القراءة:

قرأ حمزة والكسائي " ثلاثمائة سنين " مضافا. الباقون بالتنوين، قال الفراء: من العرب من يضع (سنين) في موضع (سنة) فهي في موضع خفض على قراءة من أضاف قال عنترة:

فيها اثنتان وأربعون حلوبة * سودا كخافية الغراب الاسحم (1)

فمن نون نصب سنين ب? " لبثوا " وتقديره سنين ثلاثمائة، ف? (سنين) مفعول (لبثوا) و (ثلاثمائة) بدل، كما تقول خرجت أياما خمسة وصمت سنين عشرة. وان شئت نصبت " ثلاثمائة " ب? (لبثوا) وجعلت (سنين) بدلا ومفسرة لها. ومن أضاف قال ابن خالويه: هي قراءة غير مختارة، لأنهم لا يضيفون مثل هذا العدد إلا إلى الافراد فيقولون ثلاثمائة درهم ولا يقولون ثلاثمائة دراهم قال أبو علي الفارسي قد جاء مثل ذلك مضافا إلى الجمع، قال الشاعر:

فما زودوني غير سحق عمامة * وخمس مئ منها قسي وزائف (2)

جمع على فعل. وقد كسر القاف كما كسر في (حلى) وقرأ ابن عامر، " ولا تشرك " بالتاء على الخطاب. الباقون بالياء على الخبر، فمن قرأ على النهي قال تقديره " لا تشرك " أيها الانسان. ومن قرأ على الخبر، فلتقدم الغيبة. وهو قوله " ما لهم من دونه من ولي " والهاء للغيبة. وقرأ الحسن " تسع وتسعون " (3) بفتح التاء - يقال تسع بكسر التاء وفتحها، وهما لغتان. والكسر أكثر وافصح. قوله " ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا " الآية معناه إخبار من الله تعالى وبيان عن مقدار مدة لبثهم يعني أصحاب الكهف إلى وقت انتباههم. ثم قال لنبيه، فان حاجك المشركون فيهم من أهل الكتاب، فقل " الله اعلم بما لبثوا " وهو قول مجاهد، والضحاك، وعبيد بن عمير، كما قال " عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا " (4) ومن قرأ بالتاء، قال معناه لا تنسبن أحدا إلى عالم الغيب. ويحتمل أن يكون المعنى لا يجوز لحاكم أن يحكم إلا بما حكم الله به أو بما دل على حكم الله، وليس لاحد أن يحكم من قبل نفسه، فيكون شريكا لله في أمره وحكمه. وقيل إن معناه " قل الله أعلم بما لبثوا " إلى أن ماتوا. وحكى عن قتادة أن ذلك حكاية عن قول اليهود فإنهم الذين قالوا لبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا. وقوى ذلك بقوله " قل الله اعلم بما لبثوا " فذكر تعالى أنه العالم بذلك دون غيره. وقد ضعف جماعة هذا الوجه قالوا: لان الوجه الأول أحسن، لأنه ليس لنا أن نصرف اخبار الله إلى أنه حكاية إلا بدليل قاطع، ولأنه معتمد الاعتبار الذي بينه الله (عز وجل) للعباد. وقوله " له غيب السماوات والأرض " فالغيب يكون للشئ بحيث لا يقع عليه الادراك، ولا يغيب عن الله تعالى شئ، لأنه لا يكون بحيث لا يدركه. وقيل " عالم الغيب والشهادة " (5) معناه ما يغيب عن احساس العباد وما يشاهدونه. وقيل ما يصح ان يشاهد وما لا يصح أن يشاهد. وقوله " اسمع به وابصر " (6) معناه ما أسمعه وما أبصره بأنه لا يخفى عليه شئ فخرج التعجب على وجه التعظيم له تعالى. وقوله " ما لهم من دونه من ولي " اي ليس للخلق وقيل إنه راجع إلى أهل الكهف أي ليس لهم من دون الله ولي ولا ناصر " ولا يشرك " يعني الله " في حكمه " بما يخبر به من الغيب " أحدا ". ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله " أتل ما أوحي إليك " أي اقرأ عليهم ما أوحى الله إليك من اخبار أصحاب الكهف وغيرهم. وقوله " لا مبدل لكلماته " أي لا مغير لما أخبر الله تعالى به، لأنه صدق ولا يجوز أن يكون بخلافه " ولن تجد من دونه ملتحدا " ومعناه ملتجأ تهرب إليه وقال مجاهد: ملجأ، وقال قتادة: موئلا. وقيل: معدلا. وهذه الأقوال متقاربة المعنى وهو من قولهم لحدت إلى كذا أي ملت إليه، ومنه اللحد، لأنه في ناحية القبر وليس بالشق الذي في وسطه، ومنه الالحاد في الدين، وهو العدول عن الحق فيه. (وسنين) فيه لغتان تجمع جمع السلامة وجمع التكسير فالسلامة هذه سنون ورأيت سنين وجمع التكسير بتنوين النون تقول هذه سنون وصمت سنينا وعجبت من سنين. وقوله " وازدادوا تسعا " يعني تسع سنين، فاستغنى بالتفسير في الأول عن اعادته ههنا.


1- لسان العرب قسا) نسبه إلى مزرد.

2- سورة 38 صلى الله عليه وآله آية 23.

3- سورة 72 - الجن - آية 26.

4- سورة 6 الانعام آية 73 وسورة 13 - الرعد - آية 10 وغيرهما كثيرا في القرآن.

5- سورة 19 مريم آية 38 مر تخريجه في 4 / 208 من هذا الكتاب.

6- سورة 58 المجادلة، آية 22.