الآيات 19-21

قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إلى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا، إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا، وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا﴾

القراءة:

قرأ " بورقكم " - بسكون الراء - أبو عمرو وحده وأبو بكر عن عاصم الباقون بكسر الراء. وروي عن أبي عمرو بورقكم " بادغام القاف في الكاف. وفي (ورقكم) اربع لغات - فتح الواو وكسر الراء - وهو الأصل. وفتح الواو وسكون الراء. وكسر الواو وسكون الراء. والادغام. فالورق الدراهم، ويقال أيضا بفتح الراء، ويجمع أوراق. ورجل رواق كثير الدراهم. فأما ما يكتب فيه فهو (الورق) بفتح الراء لا غير. والورق الغلمان الملاح. وقيل الورق - بفتح الراء - المال كله المواشي وغيرها قال العجاج: اغفر خطاياي وطوح ورقي في قصة أهل الكهف اعتبار ودلالة على أن من قدر على نقض العادة - بتلك المعجزة - قادر لا يعجزه شئ، وإن التدبير يجري بحسب الاختيار، لا بايجاب الطبائع، كما يتوهمه بعض الجهال، لأنه على تدبير مختار، كما يدل على تدبير عالم. ووجه التشبيه في قوله " وكذلك بعثناهم " أي كما حفظنا أحوالهم تلك المدة " بعثناهم " من تلك الرقدة، لان أحد الامرين كالآخر في أنه لا يقدر عليه إلا الله تعالى. بين الله تعالى أنه بعث أهل الكهف بعد نومهم الطويل ورقدتهم البعيدة ليسأل بعضهم بعضا عن مدة مقامهم، فيتنبهوا بذلك على معرفة صانعهم إن كانوا كفارا. وإن كانوا مؤمنين تثبتوا زيادة على ما معهم، ويزدادوا يقينا إلى يقينهم. وقال البلخي: اللام في قوله " ليتسألوا " لام العاقبة، لان التساؤل بينهم قد وقع. ثم اخبر تعالى أن قائلا منهم قال: للباقين " كم لبثتم " مستفهما لهم، فقالوا في جوابه: " لبثنا يوما أو بعض يوم " وإنما أخبروا بذلك من غير أن يعلموا صحته، لان الاخبار في مثل هذا عن غالب الظن وعلى ذلك وقع السؤال، لان النائم لا يدري، ولا يتحقق مقدار نومه إلا على غالب الظن. وقيل أنهم لما ناموا كان عند طلوع الشمس فلما انتبهوا كانت الشمس دنت للغروب بقليل. فلذلك قالوا: يوما أو بعض يوم - ذكره الحسن -. وقيل أيضا إن الخبر بأنهم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم ليس ينافي انهم لبثوا مدة طويلة، لان المدة الطويلة تأتي على قصيرة وتزيد عليها لا محالة. ثم قالوا " ربكم اعلم بما لبثتم " ومعناه ان الذي خلقكم اعرف بمدة لبثكم على التحقيق. والأعلم هو من كانت علومه أكثر أو صفاته في كونه عالما أزيد. وقيل: إن الأعلم هو من كانت معلوماته أكثر، وهذا ليس بصحيح، لأنه يلزم انه عالم من اجل العلوم. ثم قال بعضهم لبعض " فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما " وقيل في معناه قولان:

أحدهما: قال قتادة: " أزكى " أجل وخير.

الثاني: أيها أنمى طعاما بأنه طاهر حلال، لأنهم كانوا يذبحون للأوثان، وهم كفار أرجاس. وقيل معناه أيها أكثر فان الزكاء والنماء الزيادة. " فليأتكم برزق منه وليتلطف " في شرائه واخفاء أمره " ولا يشعرن بكم أحدا " أي لا يعلمن بمكانكم أحدا. وقيل: المعنى وإن ظهر عليه فلا يوقعن اخوانه فيما وقع فيه لأنهم " إن يظهروا عليكم " ويعلموا بمكانكم " يرجموكم ". قال الحسن: معناه يرجموكم بالحجارة. وقال ابن جريج: يشتموكم ويؤذوكم بالقول القبيح " أو يعيدوكم في ملتهم " اي يردوكم في عبادة الأصنام. ومتى فعلتم ذلك " لن تفلحوا " بعد ذلك " ابدا " ولا تفوزوا بشئ من الخير. ثم قال: " وكذلك اعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق " ومعناه انا كما فعلنا بهم ما مضى ذكره، مثل ذلك أظهرنا عليهم واطلعنا عليهم، ليعلم الذين يكذبون بالعث " أن وعد الله حق " ويزداد المؤمنون ايمانا، والتقدير، ليستدلوا بما يؤديهم إلى العلم بأن الوعد في قيام الساعة حق كما قبضت أرواح هؤلاء الفتية تلك المدة. ثم بعثوا كأنهم لم يزالوا أحياء على تلك الصفة. وقوله " إذ يتنازعون بينهم أمرهم " يجوز أن تكون (إذ) نصبا ب? " يعلموا " في وقت منازعتهم. ويجوز أن يكون بقوله " أعثرنا " والتقدير: وكذلك اطلعنا إذ وقعت المنازعة في أمرهم. والمعنى انهم لما ظهروا عليهم وعرفوا خبرهم أماتهم الله في الكهف، فاختلف الذين ظهروا على أمرهم من أهل مدينتهم من المؤمنين وهم الذين غلبوا على أمرهم. وقيل رؤساؤهم الذين استولوا على أمرهم. فقال بعضهم: ابنوا عليهم مسجدا ليصلي فيه المؤمنون تبركا بهم (1). وقيل إن النزاع كان في أن بعضهم قال: قد ماتوا في الكهف. وبعضهم قال: لابل هم نيام كما كانوا، فقال عند ذلك بعضهم: إن الذي خلقهم وأنامهم وبعثهم اعلم بحالهم وكيفية أمرهم، فقال عند ذلك الذين غلبوا على أمرهم من رؤسائهم لنتخذن عليهم مسجدا. وروي انهم لما جاؤوا إلى فم الغار دخل صاحبهم إليهم وأخبرهم بما كانوا عنه غافلين مدة مقامهم، فسألوا الله تعالى ان يعيدهم إلى حالتهم الأولى فأعادهم إليها، وحال بين من قصدهم وبين الوصول الهيم بأن أضلهم عن الطريق إلى الكهف الذي كانوا فيه، فلم يهتدوا إليهم. وقيل إنهم لما دخلوا الغار سدوا على نفوسهم بالحجارة فلم يهتد أحد إليهم لذلك.


1- سورة 9 التوبة آية 8.