الآيات 13-15

قوله تعالى: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى، وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا، هَؤُلَاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾

ثلاث آيات في عدد الكل - إلا الشامي - آخر الأولى " هدى " وعند الشامي شططا. يقول الله تعالى إنا نخبرك يا محمد ونقص عليك نبأ هؤلاء الفتية الذين آووا إلى الكهف على وجه الصحة. والقصص الخبر بمعاني يتلو بعضها بعضا واصله الاتباع من قولهم: قص أثره يقصه قصصا إذا اتبعه، ومنه قوله تعالى " وقالت لأخته قصيه " أي اتبعي أثره. والنبأ الخبر. وفتية جمع فتى ، . وهو جمع لا يقاس عليه لأنه غير مطرد، وقد جاء غلام وغلمة وصبي وصبية، ولا يجوز غراب وغربة. ثم اخبر عنهم بأنهم فتية آمنوا بربهم، واعترفوا بتوحيده " وزدناهم هدى " والمعنى وزدناهم المعارف بما فعلنا لهم من الألطاف لما فيها من الآيات التي رأوها، ومن الربط على قلوبهم حتى تمسكوا بها. وقوله " إذ قاموا فقالوا " معناه حين قاموا بحضرة الملك الجبار، فقالوا هذا القول الذي أفصحوا فيه عن الحق في الديانة ولم يستعملوا التقية، فقالوا: ربنا الذي نعبده هو الذي خلق السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلها آخر، فنوجه العبادة إليه، ومتى قلنا غير ذلك ودعونا معه إلها آخر " لقد قلنا إذا شططا ". والشطط الخروج عن الحد بالغلو فيه، فقلنا شططا أي غلوا في الكذب والبطلان. قال الشاعر:

ألا يالقوم قد شطت عواذلي * ويزعمن أن أودي بحقي باطلي

ويلحينني في اللهو ألا أحبه * وللهو داع دائب غير غافل (1)

ومنه اشط فلان في السوم إذا تجاوز القدر بالغلو فيه يشط إشطاطا وشططا وشط منزل فلان يشط شطوطا إذا جاوز القدر في البعد، وشطت الجارية تشط شطاطا وشطاطة إذا جاوزه القدر في الطول. وقوله " هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة " إخبار من الفتية بخضرة الملك على وجه الانكار على قومه " إن هؤلاء " قومك اتخذوا من دون الله آلهة يعبدونها " لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا. معناه هلا يأتون على عبادتهم إياهم بحجة واضحة ودلالة بينة. وحذف لدلالة الكلام عليه ثم قالوا: فمن أظلم لنفسه ممن يتخرص على الله كذبا، ويضيف إليه ما لا أصل له. وفي ذلك دلالة على أن التقليد في الدين لا يجوز وانه لا يجوز أن يقبل دين إلا بحجة واضحة. وفى قصة أصحاب الكهف دلالة على أنه لا يجوز المقام في دار الكفر إذا كان لا يمكن المقام فيه إلا باظهار كلمة الكفر وانه يجب الهجرة إلى دار الاسلام أو بحيث لا يحتاجون إلى التلفظ بكلمة الكفر.


1- سورة 3، آل عمران آية 55 وسورة 5، المائدة آية 51، 108 وسورة 6، الانعام آية 60، 164 وسورة 10 يونس آية 23 وسورة 11، هو آية 4 وسورة 29، العنكبوت آية 8 وسورة 31، لقمان آية 15.