الآيات 9-10

قوله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا، إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إلى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾

يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله " أم حسبت " يا محمد، والمراد به أمته أي أحسبت " أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا " بل ما خلقت من السماوات والأرض وما بينهن من العجائب أعجب من أصحاب أهل الكهف، وحجتي بذلك ثابتة (1) على هؤلاء المشركين من قومك وغيرهم من جميع عبادي، وهو قول مجاهد وقتادة وابن إسحاق. وقال قوم: معناه " أم حسبت " يا محمد " أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا " فان الذي آتيتك من العلم والحكمة أفضل منه، وهو قول ابن عباس. وقال الجبائي: المعنى أحسبت " أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا " ولو لم نعلمك ذلك لما علمته. والأول أشبه، لان الله تعالى جعل انزال سورة الكهف احتجاجا على الكفار بما واطأهم عليه اليهود، والمراد بالكهف في الآية كهف الجبل الذي أوى إليه القوم الذين قص الله شأنهم وذكر اخبارهم في هذه السورة. واختلفوا في معنى " الرقيم " فقال قوم: هو اسم قرية - ذهب إليه ابن عباس - وفى رواية أخرى عنه: أنه واد بين غضبان، وايلة، دون فلسطين، وهو قريب من أيلة. وقال عطية: " الرقيم " واد. وقال قتادة: " الرقيم " اسم الوادي الذي فيه أصحاب الكهف. وقال مجاهد: " الرقيم " كتاب تبيانهم. وفي رواية أيضا عن ابن عباس أن " الرقيم " هو الكتاب. وقال سعيد بن جبير: هو لوح من حجارة كتبوا فيه قصص أصحاب الكهف ثم وضعوه على باب الكهف، وهو اختيار البلخي والجبائي وجماعة. وقيل: جعل ذلك اللوح في خزائن الملوك، لأنه من عجائب الأمور. وقيل بل جعل على باب كهفهم. وقال ابن زيد: " الرقيم " كتاب، ولذلك الكتاب خبر، فلم يخبر الله عن ذلك الكتاب وما فيه. وقرأ قوله " وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون " (2) وقال: هو اسم جبل أصحاب الكهف، روى ذلك عن ابن عباس. وقيل: إن اسم ذلك الجبل (تيحلوس) (3) وقيل تياحلوس (4). وقد روي عن ابن عباس أنه قال: كل القرآن أعلمه إلا (حنان) و (الأواه) و " الرقيم ". واختار الطبري أن يكون ذلك اسما لكتاب أو لوح أو حجر كتب فيه. والرقيم (فعيل) أصله مرقوم، صرف إلى فعيل مثل جريح بمعنى مجروح وقتيل بمعنى مقتول يقال: رقمت الكتاب أرقمه إذا كتبته ومنه الرقيم في الثوب لأنه خط يعرف به ثمنه. وقيل للحبة أرقم لما فيها من الآثار، وتقول العرب عليك بالرقمة (بمعنى عليك برقمة الوادي حيث الماء) (5) ودع الضفة أي الجانب. والضفتان جانبا الوادي، ولعل من ذهب إلى أن الرقيم الوادي: ذهب إلى رقمة الوادي. وقوله " إذ أوى الفتية إلى الكهف " معناه " أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا " حين " أوى الفتية إلى الكهف " أي حين جاء أصحاب الكهف إلى الكهف، كهف الجبل هربا بدينهم إلى الله، قالوا إذ أووه " ربنا آتنا من لدنك رحمة " رغبة منهم إلى ربهم في أن يرزقهم من عنده رحمة. وقوله " وهئ لنا من أمرنا رشدا " معناه انهم قالوا يسر لنا ما نبتغي ونلتمس من رضاك أي دلنا على ما فيه نجاتنا والهرب من الكفر بك ومن عبادة الأوثان التي يدعونا إليها قومنا " رشدا " أي رشدا إلى العمل الذي تحب. وقيل إن هؤلاء الفتية كانوا مسلمين على دين عيسى (ع) وكان ملكهم يعبد الأصنام، فهربوا بدينهم منه. وقال آخرون: هربوا من الملك بجناية اتهموا بها فدخلوا الكهف. ويجوز " رشدا " - بضم الراء وتسكين الشين - غير أنه لم يقرأ به - ههنا - أحد، لان أو اخر الآيات كلها على وزن (فعل) فلم يخالفوا بينها.


1- سورة 83، المطففين آية 19 - 21.

2- في المخطوطة (بجلوس).

3- في المخطوطة (بنا جلوس).

4- ما بين القوسين ساقط من المطبوعة.

5- تفسير الطبري 15 / 127 ومجمع البيان 3 / 451.