الآيات 6-8
قوله تعالى: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا، إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا، وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا﴾
يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله " فلعلك " يا محمد قاتل نفسك ومهلكها على آثار قومك الذين قالوا: " لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا... " (1) تمردا منهم على ربهم بأنهم لم يؤمنوا بهذا الكتاب الذي أنزلته عليك، فيصدقوا بأنه من عند الله - حزنا وتلهفا ووجدا - بادبارهم عنك واعراضهم عن قبول ما اتيتهم به. و (أسفا) نصب على المصدر. يقال بخع نفسه يبخعها بخعا وبخوعا، قال ذو الرمة:
ألا ايهذا الباخع الوجد نفسه * لشئ نحته عن يديه المقادر (2)
يريد (نحته) فخفف. وما ذكرناه قول قتادة وغيره. وقوله " اسفا " قال قتادة: معناه غضبا وتقديره: فلعلك باخع نفسك إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا يعنى غضبا. وقال مجاهد: معناه جزعا. وفى رواية أخرى عن قتادة: حزنا عليهم. وفى رواية ثالثة عن قتادة حذرا. وكسرت (إن) لأنها في معنى الجزاء ولو فتحت لجاز قال الشاعر:
أتجزع أن بان الخليط المودع * وحبل الصفا من عزة المتقطع (3)
وهذا معاتبة من الله لرسوله على وجده بمباعدة قومه إياه فيما دعاهم إليه من الايمان به والبراءة والآلهة والأنداد، وكان بهم رحيما، وهو قول ابن إسحاق. وقوله " إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها " معناه انا جعلنا الذي على الأرض من أنواع المخلوقات جمادها وحيوانها ونباتها " زينة لها " يعني للأرض " لنبلوهم أيهم " أي لنختبر عبادنا " أيهم أحسن عملا " يعني من اتبع أمرنا ونهينا وعمل فيها بطاعتنا، وهو قول مجاهد. قوله تعالى " وإنما لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا " فيه اخبار من الله تعالى انا مخربوها بعد عمارتنا إياها بما جعلنا عليها من الزينة فنصيرها صعيدا جرزا، والصعيد ظهر الأرض، والجرز الذي لا نبات عليه ولا زرع ولا غرس. وقيل إنه أراد بالصعيد - ههنا - المستوي من وجه الأرض. وقال ابن عباس: معناه نهلك كل شئ عليها زينة. وقال مجاهد: " جرزا " أي بلقعا. وقال قتادة: هو ما لا شجر فيه ولا نبات. وقال ابن زيد: الجرز الأرض التي ليس فيها شئ، بدلالة قوله " أو لم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا " (4) يعنى الأرض التي ليس فيها شئ من النبات. والصعيد المستوي قال: وهو كقوله تعالى " لا ترى فيها عوجا ولا أمتا " (5) قال سيبويه: يقال جرزت الأرض فهي مجروزة وجرزها الجراد والنعم، وارضون اجراز إذا كان لا شئ فيها، ويقال للسنة المجدبة جرز، وسنون أجراز لجدوبها ويبسها وقلة أمطارها. قال الراجز: قد جرفتهن السنون الاجراز (6) ويقال: أجرز القوم إذا صارت ارضهم جرزا، وجرزواهم أرضهم أكلوا نباتها كله.
1- سورة 17، الاسرى الآية 90 مجاز القرآن 1 / 393 وتفسير الطبري 15 / 120 وهو في مجمع البيان 3 / 448.
2- مر هذا البيت في 1 / 349 من هذا الكتاب.
3- سورة 32، ألم السجدة آية 27.
4- سورة 20، طه آية 107.
5- تفسير الطبري 15 / 121 وروايته (حرقتهن) بدل (جرفتهن).
6- في المخطوطة (قائمة) بدل (ثابتة).