الآية 70

قوله تعالى: ﴿لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُواْ وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ﴾

اللام في قوله " لقد " لام القسم. أقسم الله تعالى أنه أخذ الميثاق وهو الايمان المؤكدة التي أخذها أنبياءهم على بني إسرائيل في قول أبي علي. وقال غيره: يجوز أن يكون الميثاق هي الآيات البينة التي قرر بها علم ذلك عندهم. وإنما أخذ ميثاقهم على الاخلاص لتوحيد الله تعالى، والعمل بها أمر به، والانتهاء عما نهى عنه والتصديق برسله والبشارة بالنبي الأمي والاقرار به، حسب ما تقدمت صفته عندهم. ووجه الاحتجاج على أهل الكتاب بما أخذ على آبائهم من الميثاق أنهم قد عرفوا ذلك في كتبهم، وأقروا بصحته، فحجته لازمة لهم، والعمل به واجب عليهم، وعيب المخالفة يلحقهم كما لحق آباءهم الذين نقضوا الميثاق الذي أخذ عليهم. وقوله " كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم " والهوى هو لطف محل الشئ من النفس مع الميل إليه بما لا ينبغي، فلذلك غلب على الهوى صفة الذم، كما قال تعالى " ونهى النفس عن الهوى فان الجنة هي المأوى " (1) ويقال: منه: هوى يهوى ويقال: هو يهوي هويا إذا انحط في الهواء وأهوى بيده إذا انحط بها ليأخذ شيئا. و " أمه هاوية " (2) أي جهنم، لأنه يهوي فيما. وهم يتهاوون في الهواء إذا سقط بعضهم في أثر بعض والفرق بين الهوى والشهوة: أن الشهوة تتعلق بالمدركات فيشتهي الانسان الطعام، ولا يهوى الطعام. وهواء الجو ممدود، وهوى النفس مقصور. وقوله " وأفئدتهم هواء " (3) قيل فيه قولان:

أحدهما: أنها منحرفة لا تعي شيئا كهواء الجو.

والآخر: أنه قد أطارها الخوف. ومنه قوله " كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران " (4) أي استهوته من هوى النفس. وقوله " فريقا كذبوا وفريقا يقتلون " نصب فريقا في الموضعين بأنه مفعول به قدم. وإنما قال في الأول " كذبوا " بلفظ الماضي. وفي الثاني " يقتلون " بلفظ المستقبل لامرين:

أحدهما: ليدل بذلك على أن من شأنهم ذلك وعادتهم ففيه معنى كذبوا وقتلوا ويكذبون ويقتلون مع موافقته لرؤوس الآي.

الثاني: أن يكون على معنى فريقا كذبوا، ولم يقتلوا وفريقا كذبوا وقتلوا فيكون يقتلون صفة الفريق.

1- سورة النازعات آية 40 - 41.

2- سورة القارعة آية 9.

3- سورة إبراهيم آية 43.

4- سورة الأنعام آية 71.