الآية 67
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾
القراءة:
قرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر " رسالاته " على الجمع. الباقون " رسالته " على التوحيد. من قرأ على الجمع ذهب إلى أن الأنبياء يبعثون بضروب الرسائل واختلاف العبادات. ومن وحد، فلانه يدل على الكثرة. قيل في سبب نزول هذه الآية أربعة أقوال:
أحدها: قال محمد بن كعب القرطي، وغيره: إن اعرابيا هم بقتل النبي صلى الله عليه وآله فسقط السيف من يده وجعل يضرب برأسه شجرة حتى انتثر دماغه.
الثاني: أن النبي صلى الله عليه وآله كان يهاب قريشا فأزال الله عز وجل بالآية تلك الهيبة. وقيل كان للنبي صلى الله عليه وآله حراس بين أصحابه، فلما نزلت الآية قال الحقوا بملاحقكم، فان الله عصمني من الناس.
الثالث: قالت عائشة إن المراد بذلك إزالة التوهم أن النبي صلى الله عليه وآله كتم شيئا من الوحي للتقية.
الرابع: قال أبو جعفر وأبو عبد الله (عليهما السلام) إن الله تعالى: لما أوحى إلى النبي صلى الله عليه وآله أن يستخلف عليا كان يخاف أن يشق ذلك على جماعة من أصحابه، فأنزل الله تعالى هذه الآية تشجيعا له على القيام بما أمره بأدائه. والآية فيها خطاب للنبي صلى الله عليه وآله وإيجاب عليه تبليغ ما أنزل إليه من ربه وتهديد له إن لم يفعل وانه يجري مجري إن لم يفعل ولم يبلغ رسالته. فان قيل كيف يجوز ذلك؟ولا يجوز أن يقول: إن لم تبلغ رسالته فما بلغتها لان ذلك معلوم لا فائدة فيه! قلنا: قال ابن عباس: معناه إن كتمت آية مما أنزل إليك فما بلغت رسالته والمعنى ان جريمته كجريمته لو لم يبلغ شيئا مما أنزل إليه في أنه يستحق به العقوبة من ربه. وقوله " والله يعصمك من الناس " معناه يمنعك أن ينالوك بسوء من فعل أو شر أو قهر. وأصله عصام القربة، وهو وكاؤها الذي يشد به من سير أو خيط. قال الشاعر:
وقلت عليكم مالكا إن مالكا * سيعصمكم إن كان في الناس عاصم (1)
أي سيمنعكم. وقوله تعالى " إن الله لا يهدي القوم الكافرين " قيل في معناه قولان: قال الجبائي: إن الله يهدي إلى الثواب والجنة الكافرين. وقال الرماني: معنى الهداية ههنا المعونة بالتوفيق والالطاف إلى الكفر بل إنما يهديهم إلى الايمان والثواب، لان من هداه إلى غرضه فقد أعانه على بلوغه، ولا يجوز أن يكون المراد به أنه لا يهديهم إلى الايمان، لأنه تعالى هداهم إليه بأن دلهم عليه ورغبهم فيه وحذرهم من خلافه. وفي الآية دلالة على صحة نبوة النبي صلى الله عليه وآله من وجهين:
أحدهما: أنه لا يقدم على الاخبار بذلك محققا إلا من يأمن أن يكون مخبره على ما هو به، لأنه لا داعي له إلى ذلك غير الصدق.
والثاني: أنه لما وقع مخبره على ما أخبر به فيه وفي نظائره دل على أنه من عند علام الغيوب. وحكى البلخي أن بعد قوله تعالى " والله يعصمك من الناس " لم يكن الكفار قادرين على قتل النبي ولا منهيون عن قتله، لان مع المنع لا يصح النهي عنه، قال وإنما هم منهيون عن أسباب القتل التي تقتل غالبا، لأنهم كانوا قادرين عليها. قال ووجه آخر أنهم كانوا قادرين لكن علم أنهم لا يقتلونه. وأنه يحول بينهم وبين القتل. والأول لا يصح، لان القدرة على بعض الأجناس قدرة على كل جنس تتعلق القدرة بها.1- مجاز القرآن 1: 171 والطبري 10: 472.