الآية 53

قوله تعالى: ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ﴾

القراءة:

قرأ ابن كثير، وعامر، ونافع " يقول " بلا واو. الباقون بالواو، وكلهم قرأ بضم اللام إلا أبا عمرو، فإنه فتحها. من نصب اللام فالمعنى عسى أن يقول، ومن رفعه فعلى الاستئناف. فان قيل كيف يجوز النصب ولا يجوز أن يقول الذين آمنوا؟قيل: قال أبو علي الفارسي يحتمل ذلك أمرين غير هذا:

أحدهما: أن يحمل على المعنى، لأنه إذا قال عسى الله أن يأتي بالفتح وكأنه قال عسى أن يأتي الله بالفتح، " ويقول الذين آمنوا " كما قال " فاصدق وأكن " كأنه قال: أصدق وأكن، وقد جاء مثله نحو قوله " عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم (1) وقال " عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا " (2). ووجه آخر وهو: أن يبدل (أن يأتي) من اسم الله اسم كما أبدلت (أن) من الضمير الذي في قوله " وما إنسانية إلا الشيطان أن أذكره " (3) فإذا أبدلته فكأنك قلت عسى أن يأتي الله بالفتح، ويقول الذين آمنوا. وأما من رفع فلانه عطف جملة على جملة، ولم يجعلها عاطفة على مفرد. ويقوى الرفع قراءة من قرأ بلا واو وأما إسقاط الواو وإثباتها فجميعا حسنان: أما الحذف فلان في الجملة المعطوفة ذكرا في المعطوف عليها وذلك أن من وصف بقوله " يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة " إلى قوله " نادمين " هم الذين قال فيهم " أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم انهم لمعكم حبطت أعمالهم " فلما صار في كل واحدة من الجملتين ذكر فيما تقدم من الأخرى حسن عطفها بالواو وبغير الواو، كما أن قوله " سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم " (4) لما كان في كل واحدة من الجملتين ذكر ما تقدم اكتفى بذلك عن الواو. ويدل على حسن اثبات الواو قوله " ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم ". قوله " ويقول الذين آمنوا " أي الذين صدقوا بالله ورسوله ظاهرا وباطنا تعاجبا من نفاق المنافقين " أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم " في معاونتكم على أعدائكم ونصرتكم " حبطت أعمالهم " أي ضاعت أعمالهم التي عملوها، لأنهم أوقعوها على خلاف الوجه المأمور به، لان ما فعلوه فعلوه على وجه النفاق دون التقرب به إلى الله. وقوله " فأصبحوا خاسرين " ليس المراد به معنى الصباح، وإنما معناه صاروا خاسرين، ومثل ذلك قولهم: ظل فلان يفعل كذا، وبات يفعل كذا، وليس بمراد وقت بعينه، وإنما وصفهم بالخسران، لأنهم فوتوا نفوسهم الثواب واستحقوا عوضا منه العقاب فأي خسران أعظم من ذلك.

1- سورة 2 البقرة آية 216.

2- سورة 4 النساء آية 83.

3- سورة 18 الكهف آية 64.

4- سورة الكهف آية 22.