الآية 31

قوله تعالى: ﴿فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ﴾

القراءة:

قرأ الحسن (يا ويلتني) مضاف، وهما لغتان يقال يا ويلتا ويا ويلتي ذكره الأزهري. قيل: إنه كان أول ميت من الناس فلذلك لم يدر كيف يواريه وكيف يدفنه حتى بعث الله غرابين أحدهما حي والآخر ميت، وقيل كانا حيين فقتل أحدهما صاحبه ثم بحث الحي الأرض فدفن فيه الغراب الميت، ففعل به مثل ذلك قابيل، وهو قول ابن عباس وابن مسعود وابن مالك ومجاهد والضحاك وقتادة. وفي ذلك دلالة على فساد ما قال الحسن وأبو علي وأبو مسلم إنهما كانا من بني إسرائيل، لأنه لم يكن الناس إلى زمان بني إسرائيل، لا يدرون كيف يدفنون ميتهم، قال الرماني ولا يجوز أن يكون الغراب مكلفا، لان المعلوم من دعوة الرسول أن المكلفين هم الملائكة والانس والجن، والمعلوم ضرورة أنه لا مطيع لله أحد إلا من هذه الثلاثة أصناف، وأيضا فقد بعث الله النبي صلى الله عليه وآله إلى كل مكلف سوى الملائكة ولا يقول أحد: إنه مبعوث إلى الغربان. ومعنى " فبعث الله غرابا " ألهمها ذلك. وقال الزجاج أكرم الله المقتول بأن بعث غرابا حثا عليه التراب ليريه كيف يواري سوأة أخيه. وقال قوم: كان ملكا في صورة الغراب. وقال أبو علي يجوز أن يكون الغراب قد زاد الله في عقله ما عقل أمر الله لا على وجه التكليف كما نأمر صبياننا وأولادنا فيفهمون عنا. ومعنى " سوءة أخيه " قيل فيه قولان:

أحدهما: قال أبو علي: إنه جيفة أخيه، لأنه كان تركه حتى أنتن فقيل لجيفته سوءة.

وقال غيره: معناه عورة أخيه والظاهر يحتمل الامرين. وأصل السوء التكرة تقول ساءه يسوءه إذا أتاه بما يكرهه. وروى الحسن عن النبي صلى الله عليه وآله أن الله ضرب لكم مثلا ابني آدم فخذوا من خيرهما ودعوا شرهما). وقوله " قال ويا ويلتا " فيه حذف لان تقديره ليريه كيف يواري سوأة أخيه فواراه قال والقائل أخاه يا ويلتاه. وقال الزجاج الوقف في غير القران عليها يا ويلتاه، والنداء لغير الآدميين نحو " يا حسرتا على العباد " (1). و " يا ويلتا أألد وأنا عجوز " (2). وقال يا ويلتا وإنما وقع في كلام العرب. على تنبيه المخاطب وان الوقت الذي يدعي هذه الأشياء هو وقتها. والمعنى يا ويلتا تعالي فإنه من ابانك أي قوله: مني الويل وكذلك يا عجبا: المعنى يا أيها العجب هذا وقتك. وقال سيبويه: الويل كلمة تقال عند الهلكة. وقيل الويل واد في جهنم وقوله " أعجزت " يقال عجزت عن الامر أعجز عجزا ومعجزة. وقوله " فأصبح من النادمين " قيل كانت توبته غير صحيحة، لأنها لو كانت صحيحة لاستحق عليها الثواب. وقال أبو علي: ندم على قتله على غير الوجه الذي يكون الندم توبة لأنه ندم لأنه لم ينتفع به وناله ضرر بسببه من أبيه واخوته. ولو كان على الوجه الصحيح لقبل الله توبته. وعلى مذهبنا كان يستحق الثواب لو كانت صحيحة، وإن لم يسقط العقاب.

1- سورة يس آية 30.

2- سورة هود آية 72.