الآية 27
قوله تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾
وجه اتصال هذه الآية بما قبلها أن الله تعالى أراد أن يبين أن حال اليهود في الظلم ونقض العهد وارتكاب الفواحش من الأمور كحال ابن آدم قابيل في قتله أخاه هابيل، وما عاد عليه من الوبال بتعديه. فأمر نبيه أن يتلو عليهم اخبارهما وفيه تسلية للنبي صلى الله عليه وآله لما ناله من جهلهم بالتكذيب في جحوده وتبكيت اليهود. وقوله: " إذ قربا قربانا " متعلق بنبأ، وتقديره: اقرأ عليهم خبر ابني آدم وما جرى منهما إذ قربا قربانا. والقربان يقصد به القرب من رحمة الله من أعمال البر وهو على وزن فعلان من القرب، كالفرقان من الفرق، والعدوان من العدو، والشكران من الشكر، والكفران من الكفر. قال ابن عباس وعبد الله بن عمر، ومجاهد، وقتادة، وأكثر المفسرين: إن المتقربين كانا ولدي آدم لصلبه: قابيل، وهابيل. وقال الحسن، وأبو مسلم محمد بن بحر، والزجاج: هما من بني إسرائيل، لان علامة تقبل القربان لم تكن قبل ذلك. وكان سبب قبول قربان أحدهما. ورد الآخر أحد أمرين:
أحدهما: أنه رد قربان أحدهما لأنه كان فاجرا فاسقا. وقبل قربان هابيل لأنه كان متقيا مطيعا، ولذلك قال الله (إنما يتقبل الله من المتقين).
الثاني: انه قرب بشر ماله وأخسه. وقرب الآخر بخير ماله، وأشرفه. فتقبل الأشرف، ورد الاخس. وقال قوم ان سبب القربان أنه لم يكن هناك فقير فمن أراد القربان أخرج من ماله ما أحب، ففعلا ذلك، فأكلت النار قربان أحدهما دون الآخر، ولم يكن ذلك عن أمر الله. وقال أكثر المفسرين ورواه أبو جعفر وغيره من المفسرين: أنه ولد لكل واحد من قابيل وهابيل أخت توأم له فأمر آدم كل واحد بتزويج أخت الآخر. وكانت أخت قابيل أحسن من الأخرى، فأرادها، وحسد أخاه عليها، فقال آدم قربا قربانا، فأيكما قبل قربانه فهي له، وكان قابيل صاحب زرع فعمد إلى أخبث طعام. وعمد هابيل إلى شاة سمينة ولبن وزبد، فصعدا به الجبل فأتت النار فأكلت قربان هابيل، ولم تعرض لقربان قابيل. وكان آدم غائبا عنهما بمكة، فقال قابيل لا عشت يا هابيل في الدنيا، وقد تقبل قربانك ولم يتقبل قرباني. وتريد أن تأخذ أختي الحسناء. وآخذ أختك القبيحة، فقال له هابيل: ما حكاه الله تعالى، فشدخه بحجر فقتله، ثم حمله على عاتقه وكان يضعه على الأرض ساعة ويبكي ويعود يحمله كذلك ثلاثة أيام إلى أن رأى الغرابين. وقوله: " لأقتلنك " معناه قال الذي لم يتقبل قربانه: و " قال إنما يتقبل الله " يعني الذي تقبل قربانه، وإنما حذف لدلالة الكلام عليه. وقيل في علامة القبول قولان: قال مجاهد كانت النار تأكل المردود. وقال غيره بل كانت العلامة في ذلك نارا تأتي فتأكل المتقبل ولا تأكل المردود. وقال قوم في الآية دلالة على أن طاعة الفاسق غير متقبلة لكنها تسقط عقاب تركها. واما النافلة فيصل إليه ضرب من النفع بها. وتقبل الطاعة إيجاب الثواب عليها - وهذا الذي ذكروه غير صحيح - لان قوله " إنما يتقبل الله من المتقين ": معناه إنما يستحق الثواب على الطاعات من يوقعها لكونها طاعة فاما إذا فعلها لغير ذلك فإنه لا يستحق عليها ثوابا. فإذا ثبت ذلك، فلا يمتنع أن تقع من الفاسق يوقعها على الوجه الذي يستحق عليها الثواب فيستحق الثواب ولا تحابط عندنا بين ثوابه وما يستحق عليه العقاب. والاتقاء يكون لكل شئ يمتنع منه غير أنه لا يطلق اسم المتقين إلا على المتقين للمعاصي خاصة بضرب من العرف، لأنه أحق ما يجب أن يخاف منه كما لا يطلق خالق إلا على الله - عز وجل - لأنه أحق بهذه الصفة من كل فاعل، لان جميع أفعاله تقع على تقدير وترتيب وقوله: " إنما يتقبل الله من المتقين " يعني القرابين إنما.