الآية 25

قوله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾

في هذه الآية إخبار من الله تعالى عما قاله موسى (ع) عقيب ما كان من قومه من الخلاف وقلة القبول على نبيهم، وخرج ذلك مخرج الغضب منه على قومه لما كان من عصيانهم إياه. ومثل ذلك لا يخرج إلا على غضب. وقوله " لا أملك إلا نفسي وأخي " مجاز، لان الانسان لا يصح أن يملك نفسه، لان الأصل في الملك القدرة، والمالك هو القادر، ومحال أن يقدر الانسان على نفسه، ثم من حق المملوك أن يكون مقدورا عليه أو في حكم المقدور عليه في أن له أن يصرفه تصريف المقدور عليه كملك الانسان للمال والعبد ونحوه، فلا يجوز على هذا أن يملك نفسه. ومعنى الآية أنه لما ملك تصريف نفسه في طاعة الله جاز أن يصف نفسه بأنه يملكها، لأنه مما يجوز أن يملكه. وقوله: " وأخي " لأنه كان أيضا طائعا له فيما يأمره به، فكان كالقادر عليه. ويحتمل موضعه أربعة أوجه:

أحدها: الرفع على موضع (إن) وتقديره: إني لا أملك إلا نفسي وأخي لا يملك الا نفسه.

الثاني: الرفع أيضا بالعطف على الياء في (إني).

الثالث: النصب بالعطف على الياء في (إني).

الرابع: النصب بالعطف على نفسي. وقوله " فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين " قيل في الوجه الذي سأل الفرق بينه وبينهم قولان:

أحدهما: أن يحكم ويقتضي بما يدل على بعدهم عن الحق وذهابهم عن الصواب فيما ارتكبوا من العصيان ولذلك ألقوا في التيه. هذا قول ابن عباس والضحاك.

الثاني: قال أبو علي إنما دعا بأن يفرق بينه وبينهم في الآخرة بأن يكون هؤلاء في النار، وأن يكون هؤلاء في الجنة. ولو دعا بالهلاك في الدنيا لأهلكهم الله. وقال قوم: إنما سأل أن ينصره الله عيلهم حتى يرجعوا إلى الحق. وقال البلخي معناه باعد، وافصل. وحكي عن المؤرج ان معناه: اقض - بلغة مدبن - والفرق الذي يدل على المباعدة مثل قول الراجز:

يا رب فافرق بينه وبيني * أشد ما فرقت بين اثنين

وقوله " الفاسقين " في الآية - لا يدل على أن ما وقع منهم كان فسقا لا كفرا، لان الكفر قد يوصف بالفسق، لان الفسق هو الخروج من الطاعة إلى المعصية على وجه التمرد، ويكون ذلك في الكفر قال الله تعالى " إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه " (1) وكان بذلك كافرا بلا خلاف.

1- سورة 18 الكهف آية 51.