الآية 22

قوله تعالى: ﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ﴾

هذه حكاية من الله عن قوم موسى لما أمرهم بدخول الأرض المقدسة، انهم قالوا: إن في الأرض قوما جبارين، ونصب (جبارين) ب? (أن) و (فيها) خبر (إن) قدم على الاسم. والجبار هو الذي لا ينال بالقهر وأصله - في النخل - ما فات اليد طولا والجبار من الناس هو الذي يجبرهم على ما يريد. وقال ابن عباس: بلغ من جبرية هؤلاء القوم أنه لما بعث موسى من قومه اثنى عشر نقيبا ليخبروه خبرهم، رآهم رجل من الجبارين يقال له عوج فأخذهم في كمه مع فاكهة كان حملها من بستانه وأتى بهم الملك فنثرهم بين يديه وقال معجبا للملك منهم: هؤلاء يريدون قتالنا؟فقال الملك: ارجعوا إلى صاحبكم فأخبروه خبرنا. وقال قتادة ومجاهد مثله. قال مجاهد كانت فاكهتهم لا يقدر على حمل عنقود لهم خمسة رجال بالخشب. ويدخل في قشر رمانة خمسة رجال. وان موسى كان طوله عشرة أذرع وله عصا طولها مثل ذلك ونزا من الأرض مثل ذلك، فبلغ كعب عوج بن عوق فقتله. وقيل كان سريره مئة ذراع. وأصل الجبار من الاجبار على الامر وهو الاكراه عليه. والجبر جبر العظم وهو كالاكراه على الصلاح. قال العجاج:

قد جبر الدين الاله فجبر * وعور الرحمن من ولى العور (1)

أي أصلحه ولامه كجبر العظم كرها. والجبار هدر الأرش لان فيه معنى الكره. والجبار في صفات الله صفة التعظيم، لأنه يفيد الاقتدار، وتقول: لم يزل الله جبارا بمعنى أن ذاته تدعو العارف بها إلى تعظيمها. والفرق بين الجبار والقهار أن القهار هو الغالب لمن ناوأه أو كان في حكم المناوئ بمعصيته إياه، ولا يوصف فيما لم يزل بأنه قهار. والجبار في صفة المخلوقين صفة ذم، لأنه يتعظم بما ليس له من العظمة. فان العظمة لله تعالى. وقوله (وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها) يعني هؤلاء الجبارين " فان يخرجوا منها فانا داخلون " تمام الحكاية عن قوم موسى.

1- لسان العرب (جبر)، (عور)، والعور هنا بمعنى قبح الامر وفساده، تقول: عورت عليه أمره أي أفسدته عليه.