الآية 19

قوله تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾

هذا خطاب لليهود والنصارى ناداهم الله خصوصا لينبههم على ما يذكر لهم. وقوله (قد جاءكم رسولنا يبين لكم) يدل على أنه اختصه من العلم بما ليس مع غيره " على فترة من الرسل " يعني على انقطاع من الرسل. وفيه دلالة على أن زمان الفترة: لم يكن فيه نبي. والفترة انقطاع ما بين النبيين عند جميع المفسرين. والأصل فيها الانقطاع عما كان عليه من الجد فيه من العسل، يقال: فتر عن عمله وفترته عنه. وفتر الماء إذا انقطع عما كان عليه من البرد إلى السخونة. وامرأة فاترة الطرف أي منقطعة عن حدة النظر. وفتور البدن كفتور الماء، والفتر ما بين السبابة والابهام إذا فتحا. وقال الحسن: كانت هذه الفترة بين عيسى ومحمد (ص) ستمائة سنة وقال قتادة خمسمائة وخمسين سنة. وقال الضحاك أربعمائة سنة وبضعا وستين سنة. وقوله (أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير) يدل على بطلان مذهب المجبرة في القدرة، لان الحجة بمنع القدرة أوكد من الحجة بمنع اللطف، وتكون الحجة في ذلك لمن علم الله أن بعثة الأنبياء مصلحة لهم، فإذا لم يبعث، تكون لهم الحجة، فاما من لا يعلم ذلك فيهم، فلا حجة لهم، وان لم يبعث إليهم الرسل. ومعنى " أن تقولوا " ألا تقولوا " ما جاء نا من بشير ولا نذير ". على قول الفراء وغيره من الكوفيين، كقوله تعالى: " يبين الله لكم أن تضلوا " ومعناه ألا تضلوا. وقال البصريون: معناه كراهة أن تضلوا، وكراهة أن تقولوا، وحذفت كراهة. كما قال " واسأل القرية " وإنما أراد أهلها. وأن " تقولوا " في موضع نصب عند أكثر البصريين وقال الخليل والكسائي: موضعه الجر وتقديره لئلا تقولوا. والبيان الذي أتاهم به النبي صلى الله عليه وآله هو دين الاسلام الذي ارتضاه الله. وهو بيان نفس الحق من الباطل، وما يجب. والبشير هو المبشر لكل مطيع بالثواب. والنذير هو المنذر المخوف كل عاص لله بالعقاب ليتمسك المطيع بطاعته، ويجتنب العاصي لمعصيته. والجملة التي ذكرناها قول ابن عباس وقتادة وجميع المفسرين.