الآية 13

قوله تعالى: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾

القراءة:

قرأ حمزه والكسائي قسية بلا الف - وقرأ الباقون قاسية - بألف.

المعنى:

المعني بالآية تسلية النبي صلى الله عليه وآله فقال الله له: لا تعجبن من هؤلاء اليهود الذين هموا ان يبسطوا أيديهم إليك وإلى أصحابك ونكثوا العهد الذي بينك وبينهم، وغدروا بك، فان ذلك من عادتهم، وعادات اسلافهم، لأني اخذت ميثاق سلفهم على عهد موسى على طاعتي، وبعثت منهم اثني عشر نقيبا، فنقضوا ميثاقي، ونكثوا عهدي، فلعنتهم بنقضهم ميثاقهم. وفي الكلام محذوف اكتفى بدلالة الظاهر عليه. والمعنى فمن كفر بعد ذلك منكم، فقد ضل سواء السبيل، فنقضوه، فلعنتهم فبما نقضهم ذلك لعناهم فاكتفى بقوله: فبما نقضهم من ذكر فنقضوا. (وما) زائدة والتقدير فبنقضهم (وما) مؤكدة. وهو قول قتادة وجميع المفسرين ومثله قول الشاعر: لشئ ما يسود من يسود والهاء والميم كنايتان عن بني إسرائيل واللعن هو الطرد للسخط على العبد، وهو الابعاد من رحمة الله على جهة العقوبة. وقال الحسن: هو المسخ الذي كان فيهم حين صاروا قردة، وخنازير. ومعنى جعلنا - هاهنا - قال البلخي: سميناها بذلك عقوبة على كفرهم، ونقض ميثاقهم. قال: ويجوز أن يكون المراد ان الله بكفرهم لم يفعل بهم اللطف الذي تنشرح به صدورهم كما يفعل بالمؤمن. وذلك مثل قولهم: أفسدت سيفك: إذا تركت تعاهده حتى صدئ. ويقولون: جعلت أظافيرك سلاحك: إذا لم تقصها. ويشهد للأول قوله تعالى: " وجعلوا لله شركاء الجن " وأراد بذلك انهم سموا لله شركاء. وقال أبو علي: هو البيان عن حالهم، وجفا قلوبهم عن الايمان بالله ورسوله، كما يقال: جعلته فاسقا مهتوكا: إذا أبان عن حاله للناس. ومعنى قاسية. أي يابسة يقال للرحيم: لين القب، ولغير الرحيم: قاسي القلب. والقاسي والقاسح - بالحاء - الشديد الصلابة. ويقال: قسا يقسو قسوة ومنه " فهي كالحجارة أو أشد قسوة " وقسية أشد مبالغة. وقاسية أعرف وأكثر في الاستعمال. وقال أبو عبيدة: قاسية معناه فاسدة من قولهم: درهم قسي أي زائف قال أبو زبيد:

لها صواهل في صم السلام كما * صاح الفسيات في أيدي الصياريف

يصف وقع المساحي في الحجارة. وقال أبو عباس: الدرهم إنما سمي قسيا إذا كان فاسدا لشدة صوته بالقس الذي فيه، فهو راجع إلى الأول. وقال الراجر: وقد قسوت وقسا لداتي وقوله: " يحرفون الكلم " فالتحريف يكون بأمرين: بسوء التأويل، وبالتغيير والتبديل، كما قال تعالى: " ويقولون هومن عند الله وما هو من عند الله " بعد قوله: " وان منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب " والكلم جمع كلمة. وقوله: " ونسوا حظا مما ذكروا به " معناه تركوا نصيبا مما ذكروا به يعني مما أنزل على موسى. وهو قول الحسين والسدي وابن عباس. وقوله: " ولا تزال تطلع على خائنة منهم " معناه على خيانة منهم وفاعله في أسماء المصادر كثير، نحو عافاه لله عافية. " والمؤتفكات بالخاطئة " و " أهلكوا بالطاغية " ويقال: قائلة بمعنى القيلولة. كل ذلك بمعنى المصدر وراغية الإبل وثاغية الشاة. ويقال: رجل خائنة قال الشاعر:

حدثت نفسك بالوفاء ولم تكن * للغدر خائنة مغل الإصبع

فخائنة على وجه المبالغة، كما قالوا: رجل نسابة، لأنه يخاطب رجلا. ومعناه لا تخن، فتغلل إصبعك في المتاع أي تدخلها الخيانة، ومغل بدل من خائنة. ويجوز أن يكون على خائنة معناه على فرقة خائنة. وقوله: " الا قليلا منهم " نصب على الاستثناء من الهاء والميم في قوله: " على خائنة منهم ". وقوله: " فاعف عنهم واصفح ان الله يحب المحسنين " قال قتادة: هو منسوخ بقوله: " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر " وقال أبو علي بقوله: " واما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء " وقال البلخي: يجوز أن يكون أمر بالعفو والصفح بشرط التوبة أو بذل الجزية، لأنهم إذا بذلوا الجزية لا يؤاخذون بشئ من كفرهم. وهو قول الحسن، وجعفر بن مبشر. واختار الطبري هذا. فعلى هذا لا يكون منسوخا وقوله: " يحرفون الكلم " لا يدل على أنه جعل قلوبهم قاسية، ليحرفوا بل يحتمل أمرين:

أحدهما: أن يكون كلاما مستأنفا ويكون التمام عند قوله: " قاسية " ثم أخبر عنهم بأنهم يحرفون الكلام عن مواضعه.

الثاني: أن يكون ذلك حالا، لقوله: " فيما نقضهم ميثاقهم يحرفون " اي يحرفون الكلم ناسين لحظوظهم " لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية ".