الآيات 18-23
قوله تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إلى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ، وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ، وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ، وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ، وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ، إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ﴾
القراءة:
ست آيات حجازي وكوفي وخمس آيات شامي وأربع آيات بصري عد الحجازيون والكوفي والشامي " البصير " و " النور " ولم يعده البصري وعد الحجازيون والعراقيون " القبور " ولم يعده الشامي. يقول الله تعالى مخبرا حسب ما تقتضيه حكمته وعدله أنه " لا تزر وازرة وزر أخرى " معناه أنه لا تحمل حاملة حمل أخرى من الذنب، والوزر الثقل، ومنه الوزير لتحمله ثقل الملك بما يتحمله من تدبير المملكة، وتقديره أنه لا يؤاخذ أحد بذنب غيره، وإنما يؤاخذ كل مكلف بما يقترفه من الاثم. وقوله " وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شئ ولو كان ذا قربى " معناه وإن تدع مثقلة بالآثام غيرها لتحمل عنها بعض الاثم لا يحمل عنها شيئا من آثامها، وإن كان أقرب الناس إليها، لما في ذلك من مشقة حمل الآثام ولو تحملته لم يقبل تحملها، لما فيه من مجانبة العدل ومنافاته له، فكل نفس بما كسبت رهينة، لا يؤاخذ أحد بذنب غيره، ولا يؤخذ إلا بجنايته. وقوله " إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب " معناه ليس ينتفع بتخويفك يا محمد إلا الذين يخافون ربهم في غيبتهم وخلواتهم فيجتنبون معاصيه في سرهم ويصدقون بالآخرة. وقوله " وأقاموا الصلاة " قال أبو عبيدة في مجازه: اي ويقيمون، فوقع الماضي مقام المستقبل، والمعنى يديمون فعلها ويقومون بشرائطها. وإنما عطف الماضي على المستقبل إشعارا باختلاف المعنى، لان الحسنة لازمة في كل وقت والصلاة لها أوقات مخصوصة، وأضاف الانذار إلى الذين يخشون ربهم من حيث كانوا هم المنتفعون بها، وإن كان النبي صلى الله عليه وآله ينذر كل مكلف. ثم قال " ومن تزكى " أي فعل الطاعات وقام بما يجب عليه من الزكاة وغيرها من الواجبات فإنما يتزكى لنفسه، لان ثواب ذلك ونفعه عائد عليه. وقوله " وإلى الله المصير " معناه يرجع الخلق كلهم إلى حيث لا يملك الأمر والنهي إلا الله، فيجازي كل مكلف على قدر عمله. وقوله " وما يستوي الأعمى والبصير " معناه لا يتساوى الأعمى عن طريق الحق والعادل عنها، والبصير الذي يهتدي إليها قط، لان الأول يستحق العقاب، والثاني يستحق الثواب " ولا الظلمات ولا النور " يعني وكذلك لا يستوي المؤمن والكافر والمطيع والعاصي فشبه الايمان بالنور والكفر بالظلمات، وكذلك لا يستوي " الظل ولا الحرور " فالظل هو الستر عن موقع الشمس ومنه الظلة، وهي السترة عن موقع الشمس، ومنه قولهم: ظل يفعل كذا إذا فعل نهارا في الوقت الذي يكون للشمس ظل، والحرور السموم وهو الريح الحارة في الشمس، وقال الفراء: الحرور يكون بالليل والنهار والسموم لا يكون إلا بالنهار. وقيل: الظل الجنة والحرور النار " وما يستوي الاحياء ولا الأموات " أي هما أيضا لا يتساويان ولا يتماثلان، فالاسواء حصول أحد الشيئين على مقدار الآخرة، ومنه الاستواء في العود والطريق خلاف الاعوجاج، لممره على مقدار أوله من غير انعدال. وهذه الأمثال أمثال ضربها الله لعبادة الله وعبادة الأوثان، وبين أنه كما لا تتماثل هذه الأشياء، ولا تتشاكل ولا تتساوى، فكذلك عبادة الله لا تشبه عبادة الأصنام. ثم قال تعالى " إن الله يسمع من يشاء " ومعناه أن الله ينفع باسماع ذلك من يشاء ممن يعلم أن له لطفا يفعله به دون غيره " وما أنت بمسمع من في القبور " أي لأنك لا تقدر على نفع الكفار باسماعك إياهم إذا لم يقبلوا، كمالا تسمع من في القبور من الأموات " ان أنت إلا نذير " أي لست إلا نذيرا مخوفا بالله. شبه الكفار في تركهم قبول ما يسمعون وذهابهم عن تفهمه وتدبره بالموتى، كما شبههم بالصم والعمي، يقال: أصمهم وأعمى أبصارهم ليس أنهم كانوا لا يسمعون ولا يفهمون أو كان النبي صلى الله عليه وآله لا ينذرهم لكن على ما بيناه من التشبيه. وقيل في (لا) قولان:
أحدهما: أنها زائدة مؤكدة للنفي.
الثاني: انها باقية لاستواء كل واحد منهما لصاحبه على التفصيل. فمن قال: إنها زائدة قال في مثل قولهم لا يستوي زيد ولا عمرو في هذا المعنى، فلا تكون هنا إلا زائدة. ومن قال: ليست زائدة، قال تقديره لا يستوي الأعمى والبصير ولا يساوي البصير الأعمى.