الآيات 51-54

قوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ، وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن مَكَانٍ بَعِيدٍ، وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِن قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ، وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ﴾

القراءة:

قرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو ﴿ التناؤش ﴾ بالهمز. الباقون بغير همز. يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله ﴿ ولو ترى ﴾ يا محمد ﴿ إذ فزعوا ﴾ من العذاب يوم القيامة ﴿ فلا فوت ﴾ أي لا مهرب ولا يفوتونه. فالفوت خروج وقت الشئ كفوت الصلاة، وفوت وقت التوبة وفوت عمل اليوم بانقضائه. والفزع والجزع والخوف والرعب واحد. والفزع يتعاظم في الشدة بحسب أسبابه وقوله ﴿ وأخذوا من مكان قريب ﴾ قال ابن عباس والضحاك: أخذوا من عذاب الدنيا. وقال الحسن: حين يخرجون من قبورهم. وقيل: من بطن الأرض إلى ظهرها. والمعنى انهم إذا بعثوا من قبورهم، ولو ترى فزعهم يا محمد حين لا فوت ولا ملجأ. وجواب (لو) محذوف، والتقدير لرأيت ما تعتبر به عبرة عظيمة. وقوله ﴿ وقالوا آمنا به ﴾ أي يقولون ذلك الوقت آمنا به وصدقنا به. فقال تعالى ﴿ وأنى لهم التناوش من مكان بعيد ﴾ قيل: معناه بفوتهم تناول التوبة في الآخرة إلى الدنيا، والتناوش التناول من قولهم نشته أنوشه إذا تناولته من قريب قال الشاعر:

فهي تنوش الحوض نوشا من علا * نوشا به تقطع اجواز الفلا (1)

وتناوش القوم إذا دنا بعضهم إلى بعض، ولم يلتحم بينهم قتال، وقد همز بعضهم، فيجوز أن يكون من هذا، لان الواو إذا انضمت همزت كقوله ﴿ أقتت ﴾ (2) ويجوز أن يكون من النش وهو الابطاء، وانتاشه اخذ به من مكان بعيد، ومثله نأشه قال الشاعر:

تمنى نئيشا أن يكون أطاعني * وقد حدثت بعد الأمور أمور (3)

وقال رؤبة:

اقحمني جارابي الجاموش * إليك نأش القدر المنؤش (4)

﴿ وقد كفروا به من قبل ويقذفون بالغيب من مكان بعيد ﴾ معناه كيف تقبل توبتهم أو يردون إلى الدنيا، وقد كفروا بالله ورسله من قبل ذلك، وهو قوله ﴿ بالغيب من مكان بعيد ﴾ يعني قولهم هو ساحر وهو شاعر وهو مجنون. وقيل: هو قولهم لا بعث ولا جنة ولا نار - ذكره قتادة - وقال البلخي: يجوز أن يكون أراد انهم يفعلون ذلك بحجة داحضة وأمر بعيد. وقال قوم: يقذفون بالظن ان التوبة تنفعهم يوم القيامة عن مكان بعيد الا ان في العقل انها لا تقبل. ثم قال ﴿ وحيل بينهم وبين ما يشتهون ﴾ أي فرق بينهم وبين شهواتهم، من قبول توبتهم وايصالهم إلى ثواب الجنة أو ردهم إلى دار الدنيا ﴿ كما فعل ﴾ مثل ذلك ﴿ باشياعهم من قبل ﴾ وهو جمع الجمع تقول شيعة وشيع وأشياع، ولان أشياعهم تمنوا أيضا مثل ذلك فحيل بينهم وبين تمنيهم، ثم اخبر ﴿ انهم كانوا في شك من ذلك ﴾ في الدنيا ﴿ مريب ﴾ والريب أقبح الشك الذي يرتاب به الناس. وقال سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير قوله " ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت " نزلت في الجيش الذي يخسف بهم بالبيداء فيبقى رجل يخبر الناس بما رآه، ورواه حذيفة عن النبي صلى الله عليه وآله.


1- تفسير الطبري 22 / 65.

2- سورة 77 المرسلات آية 11.

3- تفسير القرطبي 14 / 317.

4- مجاز القرآن 2 / 151.