الآيات 1-5

مكية في قول مجاهد وقتادة: لا ناسخ فيها ولا منسوخ، وبه قال الحسن إلا آيتين قوله " إن الذين يتلون كتاب الله " إلى قوله " الفضل الكبير " وهي خمس وأربعون آية عراقي وحجازي إلا إسماعيل. وست وأربعون في عدد إسماعيل والشاميين.

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ، وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾

القراءة:

قرأ حمزة والكسائي " هل من خالق غير الله " جرا على أنه صفة ل? (خالق) الباقون - بالرفع - على تقدير هل من خالق هو غير الله، ويجوز أن يكون التقدير: هل غير الله من خالق، ويجوز أن يكون رفعا على موضع (من) وتقديره هل خالق غير الله. يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله قل يا محمد " الحمد لله " أي الشكر له على جميع نعمه " فاطر السماوات والأرض " أي خالقهما ومخترعهما. والفطر الشق عن الشئ باظهاره للحس، ومعنى فطر السماوات والأرض أي خلقهما وأظهرهما للحس بعد ان لم تكونا ظاهرتين، وروي عن ابن عباس أنه قال: ما كنت أدري ما معنى فطر السماوات حتى احتكم إلي أعرابيان في بئر، فقال أحدهما أنا فطرتها، أي اخترعتها وابتدأتها. ومن كان خالق السماوات والأرض لا يفعل إلا ما يستحق به الشكر والحمد، لأنه غني حكيم، فلا يعدل عما يستحق به الحمد إلى مالا يستحق به ذلك. وقوله " جاعل الملائكة رسلا " أي جعل الملائكة رسلا بعضهم إلى بعض وبعضهم إلى البشر. ثم ذكر أوصافهم وهو أنهم " أولي أجنحة " أي أصحاب أجنحة " مثنى وثلاث ورباع.... " أي اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة، فهذه الألفاظ معدولة عن الاثنين والثلاث والأربع، مع أنها صفات فلذلك ترك صرفها قال الشاعر:

ولكنما أهلي بواد أنيسه * ذئاب تبغي الناس مثنى وموحد (1)

وإنما جعلهم أولي أجنحة، ليتمكنوا بها من العروج إلى السماء ومن النزول إلى الأرض، قال قتادة: منهم من له جناحان، ومنهم من له ثلاثة ومنهم من له أربعة، ثم قال " يزيد في الخلق ما يشاء " قيل حسن الصوت وقيل من الأجنحة من حيث خلق للملائكة زيادة عما خلق لسائر الخلق من البشر والأمم. فان قيل: الطائر لا يحتاج إلى أكثر من جناحين فما معنى خلق الملائكة أولي ثلاث وأربع؟قيل: يجوز أن يكون كل جناح بعلوه باثنين، ويجوز أن يكون للزينة الزائدة، وقد يكون للسمكة أجنحة في ظهرها. ثم بين " أن الله على كل شئ قدير " أي لا شئ إلا وهو تعالى قادر عليه بعينه أو قادر على مثله. ثم قال تعالى " ما يفتح الله للناس من رحمة " معنى (ما) الذي وتقديره الذي يفتح الله للناس من نعمة ورحمة " فلا ممسك لها وما يمسك " من نعمة على خلقه " فلا مرسل له من بعده " أي من بعد الله " وهو العزيز " يعني القادر الذي لا يقهر " الحكيم " في جميع افعاله، إن أنعم وإن امسك، لأنه عالم بمصالح خلقه لا يفعل إلا ما لهم فيه مصلحة في دينهم أو دنياهم. ثم خاطب المؤمنين فقال " يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم " بأن خلقكم وأوجدكم وأحياكم وأقدركم وشهاكم، وخلق لكم المنافع التي تنتفعون بها " هل من خالق غير الله " تقريرا لهم على أنه لا خالق غير الله في السماوات والأرض " يرزقكم من السماء " بالمطر ومن " الأرض " بالنبات " لا إله إلا هو " أي لا معبود يستحق العبادة سواه تعالى " فأنى تؤفكون " أي كيف تقلبون عن طريق الحق إلى الضلال. وإنما قال " هل من خالق غير الله " وإن كان أحدنا يخلق الشئ لأن هذه الصفة لا تطلق إلا عليه تعالى، فاما غيره فإنها تقيد له. وأيضا فقد فسر ما أراد وهو أنه هل من خالق رازق للخلق من السماوات والأرض غير الله أي لا خالق على هذه الصفة إلا هو. هذا صحيح لأنه لا أحد يقدر على أن يرزق غيره من السماء والأرض بالمطر والنبات وأنواع الثمار. ثم قال تعالى تعزية للنبي صلى الله عليه وآله وتسلية له عن تكذيب قومه إياه " وإن يكذبوك " يا محمد هؤلاء الكفار " فقد كذبت رسل من قبلك " أرسلهم الله فكذبوهم ولم يقبلوا منهم فلك أسوة بمن كان قبلك " وإلى الله ترجع الأمور " يعني ترد الأمور إلى حيث لا يملك التصرف فيها مطلقا غير الله يوم القيامة. ثم خاطب الخلق فقال " يا أيها الناس إن وعد الله حق " يعني ما وعدهم به من البعث والنشور والجنة والنار صحيح كائن لا محالة " فلا تغرنكم الحياة الدنيا " فتغترون بملاذها وزينتها وتتركون ما أمركم الله به وترتكبون ما نهاكم عنه ﴿ ولا يغرنكم بالله الغرور ﴾ فالغرور هو الذي عادته ان يغر غيره، والدنيا وزينتها بهذه الصفة، لان الخلق يغترون بها، وقال الحسن الغرور الشيطان الذي هو إبليس، وهو قول مجاهد. والرزق يطلق على وجهين:

أحدهما: ان الله جعله يصلح للغذاء يتغذى به الحيوان وللملبس يلبسونه فالعباد من هذا الوجه لا يأكلون ولا ينتفعون إلا بما جعله الله رزقا لهم.

الثاني: انه ملكه الله وحكم انه له فهم يتظالمون من هذا الوجه.


1- الكتاب ليبويه 2 / 15.