الآيات 46-50

قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ، قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ، قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، قُلْ جَاء الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ، قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ﴾

هذا امر من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله أن يقول للكفار ﴿ إنما أعظكم بواحدة.. ﴾ والمعنى يكفيني منكم أن يقوم الرجل وحده أو هو وغيره ثم تتساءلون هل جربنا على محمد كذبا أو هل رأينا به جنة ؟! ففي ذلك دلالة على بطلان ما أنتم عليه وما ذكرتم فيه، فالوعظ الدعاء إلى ما ينبغي أن يرغب في ما ينبغي أن يجوز منه مما يلين القلب إلى الاستجابة للحق بالنبي صلى الله عليه وآله والنبي اجل وأعظم وأكبر داع بما أعطاه الله من الحكمة. وقوله ﴿ مثنى وفرادى ﴾ معناه ان تقوموا اثنين اثنين، وواحدا واحدا ليذاكر أحدهما صاحبه، فيستعين برأيه على هذا الامر. ثم يجول بفكرته حتى يكرره حتى يتبين له الحق من الباطل وبني ﴿ مثنى ﴾ وإن لم يكن صفة لأنه مما يصلح ان يوحد، كما قال تعالى ﴿ أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع ﴾ (1) وهو - ههنا - في موضع حال، وقال مجاهد في قوله ﴿ أعظكم بواحدة ﴾ أي بطاعة الله تعالى وقال غيره (بواحدة) بتوحيد الله خصلة واحدة، فقولوا: لا إله إلا الله. وقوله ﴿ ثم تتفكروا ما بصاحبكم ﴾ في موضع نصب عطفا على ﴿ أن تقوموا لله ﴾ وتتفكروا أي وتنظروا وتعتبروا، ليس بصاحبكم يعني محمدا صلى الله عليه وآله ﴿ من جنة ﴾ أي جنون، لأنهم كانوا ينسبونه إلى الجنون وحاشاه من ذلك. ثم بين انه ليس ﴿ إلا نذير ﴾ إي مخوف من معاصي الله وترك طاعاته ﴿ بين يدي عذاب شديد ﴾ يعني عذاب القيامة. ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله يا محمد ﴿ قل ﴾ لهم ﴿ ما سألتكم من أجر فهو لكم ﴾ وليس ﴿ أجري إلا على الله ﴾ والمعنى أني أبلغكم الرسالة، ولا اجر إلى نفسي عرضا من اعراض الدنيا بل ثمرة ذلك لكم، وليس أجري إلا على الله. وقال ابن عباس ﴿ من أجر ﴾ اي من مودة، لان النبي صلى الله عليه وآله سأل قريشا أن يكفوا عن أذاه حتى يبلغ رسالات ربه ﴿ وهو على كل شئ شهيد ﴾ أي عالم به. ثم قال أيضا ﴿ قل ﴾ لهم يا محمد ﴿ إن ربي يقذف بالحق ﴾ أي يلقيه على الباطل، كما قال تعالى ﴿ بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه ﴾ (2) ﴿ علام الغيوب ﴾ إنما رفع بتقدير هو علام الغيوب، ولو نصب على أنه نعت ل? (ربي) لكان جائزا، لكن هذا أجود، لأنه جاء بعد تمام الكلام كقوله ﴿ إن ذلك لحق تخاصم أهل النار ﴾ (3) والمعنى انه عالم بجميع ما غاب عن جميع الخلائق علمه. ثم أمره صلى الله عليه وآله أن يقول لهم قد ﴿ جاء الحق ﴾ يعني أمر الله بالاسلام والتوحيد ﴿ وما يبدئ الباطل وما يعيد ﴾ لان الحق إذا جاء اذهب الباطل فلم يبق له بقية يبدئ بها ولا يعيد. وقال قتادة: الباطل إبليس لا يبدؤ الخلق ولا يعيدهم. وقيل: إن المراد به كل معبود من دون الله بهذه الصفة. وقال الحسن: وما يبدئ الباطل لأهله خيرا ولا يعيد بخير في الآخرة. ثم قال ﴿ قل ﴾ لهم ﴿ إن ضللت) أي ان عدلت عن الحق ﴿ فإنما أضل على نفسي ﴾ لان ضرره يعود علي، لأني أواخذ به دون غيري ﴿ وإن اهتديت ﴾ إلى الحق ﴿ فبما يوحي إلي ربي إنه سميع قريب ﴾ أي يسمع دعاء من يدعوه قريب إلى إجابته. وفي الآية دلالة على فساد قول المجبرة، لأنه قال ﴿ إن ضللت ﴾ فأضاف الضلال إلى نفسه، ولم يقل فبقضاء ربي وإرادته. قال الزجاج: وما يبدئ الباطل أي اي شئ يبدئ الباطل؟وأي شئ يعيد؟ويجوز أن تكون (ما) نافية، والمعنى وليس يبدئ إبليس ولا يعيد.


1- سورة 35 فاطر آية 1.

2- سورة 21 الأنبياء آية 18.

3- سورة 38 ص آية 64.