الآيات 41-45

قوله تعالى: ﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ، فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ، وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ مُّفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ، وَمَا آتَيْنَاهُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِن نَّذِيرٍ، وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾

لما حكى الله تعالى انه يقول للملائكة إن هؤلاء الكفار إياكم كانوا يوجهون عبادتهم، حكى ما يجيب به الملائكة، فإنهم يقولون ﴿ سبحانك أنت ولينا ﴾ تنزيها لك أن نعبد سواك، ونتخذ معك معبودا غيرك، ويقولون: أنت يا ربنا ولينا أي ناصرنا وأولى بنا ﴿ من دونهم ﴾ يعني دون هؤلاء الكفار ودون كل أحد وأنت الذي تقدر على ذلك من دونهم، فما كنا نرضى بعبادتهم مع علمنا بأنك ربنا وربهم، ما أمرناهم بهذا ولا رضينا به لهم " بل كانوا يعبدون الجن " بطاعتهم إياهم في ما يدعونهم إليه من عبادة الملائكة. وقيل: انهم صوروا لهم صورة قوم من الجن، وقالوا هذه صورة الملائكة فاعبدوها، وهم وإن عبدوا الملائكة، فان الملائكة لم يرضوا بعبادتهم إياهم ولا دعوهم إليها، والجن دعوهم إلى عبادتهم ورضوا به منهم فتوجه الذم إلى العابد والمعبود، وفي الملائكة لا يستحق الذم غير العابد، فلذلك أضرب عن ذكر الملائكة. ثم حكى تعالى ما يقول للكفار يوم القيامة، فإنه يقول لهم " فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا " ولا يقدر على ذلك " ونقول للذين ظلموا " نفوسهم بارتكاب المعاصي ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون " أي تجحدونه، ولا تعترفون به. ثم عاد تعالى إلى الحكاية عن حال الكفار في الدنيا فقال " وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات " أي تقرأ عليهم حججنا واضحات من القرآن الذي أنزله على نبيه " قالوا " عند ذلك " ما هذا الا رجل يريد ان يصدكم عما كان يعبد آباؤكم " أي يمنعكم عن عبادة ما كان يعبده آباؤكم " وقالوا " أيضا " ما هذا " القرآن " إلا إفك مفترى " يعني كذب تخرصه وافتراه " وقال الذين كفروا للحق " يعني القرآن " لما جاءهم إن هذا " أي ليس هذا " إلا سحر مبين " أي ظاهر. والسحر حيلة خفية توهم المعجزة. ثم قال تعالى " وما آتيناهم من كتب يدرسونها " قال الحسن: معناه ما آتيناهم من كتب قبل هذا الكتاب، فصدقوا به وبما فيه ان هذا كما زعموا " وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير " ويجوز أن يكون المراد وما أرسلنا إليهم قبلك يا محمد من نذير إلا وفعلوا به وقالوا له مثل ما قالوا لك، وحذف لدلالة الكلام عليه، وذلك عليه بقوله " وكذب الذين من قبلهم " بما أتاهم الله من الكتب، وبما بعث إليهم من الرسل " وما بلغوا " أي وما بلغ هؤلاء ﴿ معشار ما آتيناهم ﴾ أولئك الكفار، قال الحسن: معنى معشار أي عشر، والمعنى ما بلغ الذين ارسل إليهم محمد صلى الله عليه وآله من أهل مكة عشر ما أوتي الأمم قبلهم من القوة والعدة - في قول ابن عباس وقتادة - ﴿ فكذبوا رسلي ﴾ أي كذبوا بآيات الله وجحدوا رسله ﴿ فكيف كان نكير ﴾ أي عقوبتي وتغييري لان الله أهلكهم واستأصلهم وهو نكير الله تعالى في الدنيا.