الآيات 31-35

قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ، قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ، وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ، وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾

حكى الله تعالى عن الكفار أنهم يقولون لن نصدق بهذا القرآن الذي أنزل عليك وتدعيه انه من عند الله ولا بالذي بين يدي القرآن من أمر الآخرة والنشأة الثانية، فجحدوا أن يكون القرآن من الله أو أن يكون لما دل عليه من الإعادة للجزاء حقيقة. وقيل: معناه الكتب التي قبله من التوراة والإنجيل وغيرهما. ثم قال " ولو ترى " يا محمد " إذ " أي حين " الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول " أي يرد بعضهم على بعض " يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا " قيل: كانوا رؤساء الضلالة يأمرون الاتباع بعبادة الأوثان لضعفهم عن استخراج صواب الرأي عند أنفسهم، فالاستضعاف طلب الضعف فكل من يجاهر غيره بما يقتضي ضعفه يقال قد استضعفه، والاستكبار طلب الكبر بغير حق، وكانوا يتعظمون هؤلاء الكفار بالجهل الذي صمموا عليه وصاروا رؤساء فيه ليحققهم به " لولا أنتم لكنا مؤمنين " لكن بسببكم يمنع، فهؤلاء إذا أخبروا عن ظنهم، فقد صدقوا كأنهم قالوا في ما نظن، لأنه هكذا يقتضي ظاهر خبرهم، كما إذا أخبروا عما يفعلونه في المستقبل، فهو اخبار عن عزمهم، ولو كان كذبا لأنكر الله ذلك واتبعه بما يدل على انكاره، كما قال " انظر كيف كذبوا على أنفسهم " (1) ثم حكى ما أجابهم به المستكبرون فإنهم يقولون في جوابهم " أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم " ؟! منكرين عليهم قولهم إنهم منعوهم من الايمان بعد تبين الحق فيه، وليس الامر على ما تقولونه " بل كنتم " أنتم " مجرمين " ثم حكى تعالى ما يقول الذين استضعفوا فإنهم يقولون " بل مكر الليل والنهار " معناه مكركم في الليل والنهار - في قول الحسن - كما قال الشاعر:

لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى * ونمت وما ليل المطي بنائم (2)

أي بنائم فيه. وقيل: كأن الليل والنهار يمكران بطول السلامة فيهما. و (المترف) المنعم البطر بالنعمة " إذ تأمروننا " أي حين تأمروننا " أن نكفر بالله " أي ان نجحد بالله " ونجعل له أندادا " أي أمثالا في العبادة " وأسروا الندامة " أي أخفوا الندامة بينهم " لما رأوا العذاب " نزل بهم، ولام بعضهم بعضا. وقال الجبائي: معناه أظهروا الندامة، قال: وهذا مشترك. وهذا غلط، لان لفظة الاخفاء هي المشتركة دون لفظ الاسرار، فحمل أحدهما على الآخر قياس في اللغة " وجعلنا الاغلال في أعناق الذين كفروا " الاغلال جمع غل والله تعالى يجعل الغل في رقاب الكفار عقوبة لهم. ثم قال موبخا لهم " هل يجزون إلا ما كانوا يعملون " أي يجزون على قدر استحقاقهم لا يجازفون، فلفظه لفظ الاستفهام والمراد به النفي، فكأنه قال: لا يجزون إلا على قدر اعمالهم التي عملوها. ثم اخبر تعالى انه ما يرسل في قرية نذيرا أي مخوفا بالله في ما مضى إلا إذا سمع أهلها المترفون منهم المنعمون " قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون " أي جاحدون، ثم حكى بأنهم " قالوا نحن أكثر أموالا وأولادا " منكم " وما نحن بمعذبين " على ما تقولونه، لأنه لو أراد عقابنا لما أنعم علينا في الدنيا وجعلنا أغنياء وجعلهم فقراء، فقال الله تعالى ردا عليهم " قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ".


1- سورة 6 الانعام آية 24.

2- مر تخريجه في 5 / 645.