الآيات 21-25

قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ، قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ، وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ، قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ، قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾

القراءة:

قرأ ابن عمر وحمزة والكسائي وخلف، والأعشى والبرجي عن أبي بكر ﴿ أذن له ﴾ بضم الهمزة، الباقون بفتحها. وقرأ ابن عامر ويعقوب ﴿ فزع ﴾ بفتح الفاء والزاي. الباقون ﴿ فزع ﴾ بضم الفاء وكسر الزاي. فمن فتح الهمزة من ﴿ أذن ﴾ فمعناه أذن الله له، ومن ضمها جعله لما لم يسم فاعله، يقال: أذنت للرجل في ما يفعله اي أعلمته وأذنته أيضا، وأذن زيد إلى عمرو، إذا استمع إليه. روي في الحديث ما أذن الله لشئ قط كأذنه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن. ومثل ذلك القول في فزع عن قلوبهم، ومعنى فزع. قال أبو عبيدة: فزع عن قلوبهم نفس عنها. وقال أبو الحسن: المعنى حكى عنها. وقال أبو عبيدة: معناه أذهب، وقال قوم: الذين فزع عن قلوبهم الملائكة، ويقال: فزع وفزع إذا أزيل الفزع عنها، ومثله جاء في (افعل) يقولون: أشكاه إذا أزال عنه ما يشكو منه انشد أبو زيد:

تمد بالأعناق أو تلويها * وتشتكي لو أننا نشكيها (1)

والمعنى فلما ان اشكيت أزالت الشكوى، كذلك فزع وفزع أزال الفزع وقال قتادة: معنى فزع عن قلوبهم خلا من قلوبهم، قال يوحي الله تعالى إلى جبرائيل فيعرف الملائكة، ويفزع عن أن يكون شئ من امر الساعة، فإذا ﴿ خلا عن قلوبهم ﴾ وعلموا أن ذلك ليس من امر الساعة ﴿ قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق ﴾ وتقديره قالوا قال الحق. فمن قرأ بفتح الفاء أسند الفعل إلى الله، ومن ضمها بنى الفعل للمفعول به، وكان الجار والمجرور في موضع رفع. وقال الحسن: فزع بمعنى كشف الفزع عن قلوبهم، وفزعت منه، والمفزع على ضربين:

أحدهما: من ينزل به الافزاع.

الثاني: من يكشف عنه الفزع. وقوله ﴿ وفزع ﴾ له معنيان:

أحدهما: بمعنى ذعر.

والثاني: أزال الفزع وقال اليربوعي: حللنا الكثيب من زرود لنفزعا أي لنغيث. لما اخبر الله تعالى ان إبليس صدق ظنه في الكفار بإجابتهم له إلى ما دعاهم إليه من المعاصي بين انه لم يكن لإبليس عليهم سلطان. و (من) زائدة تدخل مع النفي نحو قولهم ما جاءني من أحد. والسلطان الحجة، فبين بهذا ان الشيطان لم يقدر على أكثر من أن يغويهم ويوسوس إليهم ويزين لهم المعاصي، ويحرضهم عليها. وقوله ﴿ إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك ﴾ تقديره إنا لم نمكنه من اغوائهم ووسوستهم إلا لنميز من يقبل منهم ومن يمتنع ويأبى متابعته، فنعذب من تابعه ونثيب من خالفه، فعبر عن تمييزه بين الفريقين بالعلم، وهو التمييز مجردا، لأنه لا يكون العذاب والثواب إلا بعد وقوع ما يستحقون به ذلك، فأما العلم، فالله تعالى عالم بأحوالهم، وما يكون منها في ما لم يزل، وقيل: إن معناه إلا لنعلم طاعاتهم موجودة أو عصيانهم إن عصوا فنجازيهم يحسبها، لأنه تعالى لا يجازي أحدا على ما يعلم من حاله إلا بعد ان يقع منهم ما يستحق به من ثواب أو عقاب، وقيل: معناه إلا لنعامل معاملة من كأنه لا يعلم، وإنما نعمل لنعلم ﴿ من يؤمن بالآخرة ﴾ أي من يصدق بها ويعترف ممن يشك فيها ويرتاب. ثم قال ﴿ وربك ﴾ يا محمد ﴿ على كل شئ حفيظ ﴾ أي رقيب عالم لا يفوته علم شئ من أحوالهم من ايمانهم وكفرهم أو شكهم. ثم أمر نبيه صلى الله عليه وآله بأن يقول لهؤلاء الكفار ﴿ ادعوا الذين زعمتم من دون الله ﴾ أنهم آلهة ومعبود، هل يستجيبون لكم؟إلى ما تسألونهم، لأنه لا يستحق العبادة إلا من كان قادرا على إجابة من يدعوه. ثم اخبر تعالى عنها فقال ﴿ لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيها من شرك ﴾ يعني وما لله في السماوات والأرض شريك ﴿ وماله منهم من ظهير ﴾ أي معاون، والملك هو القدرة على ما للقادر عليه التصرف فيه، وليس لاحد منعه منه، وذلك - في الحقيقة - لا يستحق الوصف به مطلقا إلا الله، لان كل من عداه يجوز أن يمنع على وجه. ثم اخبر تعالى فقال ﴿ ولا تنفع الشفاعة عنده ﴾ أي عند الله ﴿ إلا لمن اذن ﴾ الله ﴿ له ﴾ في الشفاعة من الملائكة والنبيين والأئمة والمؤمنين، لأنهم كانوا يقولون: نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى، فحكم الله تعالى ببطلان ذلك. وقوله ﴿ حتى إذا فزع عن قلوبهم ﴾ قال ابن عباس وقتادة: حتى إذا خلي عن قلوبهم الفزع، كقولك رغب عنه أي رفعت الرغبة عنه فلا يرغب، بخلاف رغب فيه، ففي أحد الامرين وضع وفي الآخر رفع. وقيل: هم الملائكة يلحقهم غشى عن سماع الوحي من الله بالآية العظيمة، فإذا ﴿ فزع عن قلوبهم ﴾ اي خلي عنها ﴿ قالوا ماذا قال ربكم ﴾ - ذكره ابن مسعود ومسروق وابن عباس في رواية - وقال الحسن: حتى إذا كنف عن قلوب المشركين الفزع، قالت الملائكة ﴿ ماذا قال ربكم ﴾ في الدنيا ﴿ قالوا ﴾ قال ﴿ الحق وهو العلي الكبير ﴾ اي الله تعالى المستعلي على الأشياء بقدرته، لا من علو المكان ﴿ الكبير ﴾ في أوصافه دون ذاته، لان كبر الذات من صفات الأجسام. ثم قال له ﴿ قل ﴾ لهم ﴿ من يرزقكم من السماوات والأرض ﴾ فإنهم لا يمكنهم ان يقولوا يرزقنا آلهتنا التي نعبدها ف? " قل " لهم عند ذلك الذي يرزقكم ﴿ الله ﴾ وقل ﴿ وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ﴾ وقيل: إنما قال ﴿ وإنا أو إياكم ﴾ على وجه الانصاف في الحجاج دون الشك، كما يقول القائل لغيره: أحدنا كاذب، وإن كان هو عالما بالكاذب، وعلى هذا قال أبو الأسود الدؤلي يمدح أهل البيت:

يقول الأرذلون بنو قشير * طوال الدهر ما تنسى عليا

أحب محمدا حبا شديدا * وعباسا وحمزة والوصيا

بنو عم النبي وأقربوه * أحب الناس كلهم اليا

فان بك حبهم رشدا أصبه * ولست بمخطئ إن كان غيا (2)

ولم يقل هذا مع أنه كان شاكا في محبتهم، وانه هدى وطاعة، وقال أكثر المفسرين: إن معناه إنا لعلى هدى وإياكم لعلى ضلال وقال أبو عبيدة (أو) بمعنى الواو، كما قال الأعشى:

اتغلبة الفوارس أو رياحا * عدلت بهم طهية والحشايا (3)

بمعنى اتغلبة ورياحا ثم قال ﴿ قل ﴾ لهم يا محمد ﴿ لا تسألون ﴾ معاشر الكفار ﴿ عما أجرمنا ﴾ اي عما اقترفناه من المعاصي ﴿ ولا نسأل ﴾ نحن أيضا ﴿ عما تعملون ﴾ أنتم بل كل إنسان يسأل عما يعمله، وهو يجازى على أي فعل فعله دون غيره. وتقدير قوله " ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له " ان يشفع له، فزع بسماعه أذنه حتى إذا فزع عن قلوبهم وخلي عنها وكشف الفزع عنهم قالوا ماذا قال ربكم قالت الملائكة قال الحق وهو العلي الكبير.


1- اللسان (شكا) وروايته (تثنيها) بدل (تلويها).

2- تفسير الطبري 22 / 57.

3- مجاز القرآن 2 / 148.