الآيات 66-69
قوله تعالى: ﴿يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا، وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا، رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا﴾
القراءة:
قرأ ابن عامر ويعقوب " ساداتنا " بألف بعد الدال. الباقون بغير الف على جمع التكسير، والأول على جمع الجمع، وقرأ عاصم وابن عامر - في رواية الداحوني عن هشام " لعنا كبيرا " بالباء. بالباقون بالثاء. العامل في قوله " يوم تقلب " قوله " واعد لهم سعيرا... يوم تقلب وجوههم " فالتقليب تصريف الشئ في الجهات، ومثله التنقيل من جهة إلى جهة فهؤلاء تقلب وجوههم في النار، لأنه أبلغ في ما يصل إليهم من العذاب. وقوله " يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا " حكاية ما يقول هؤلاء الكفار الذين تقلب وجوههم في النار، فإنهم يقولون متمنين: يا ليتنا كنا أطعنا الله في ما أمرنا به ونهانا عنه، ويا ليتنا أطعنا الرسول في ما دعانا إليه. وحكى أيضا انهم يقولون يا " ربنا إنا أطعنا " في ما فعلنا " سادتنا وكبراءنا " والسادة جمع سيد، وهو الملك المعظم الذي يملك تدبير السواد الأعظم، ويقال للجمع الأكثر السواد الأعظم يراد به السواد المنافي لشدة البياض والضياء الأعظم " فأضلونا السبيلا " يعني هؤلاء الرؤساء أضلونا عن سبيل الحق. وقيل الآية نزلت في الاثني عشر الذين أطعموا الكفار يوم بدر من قريش. ثم حكى انهم يقولون " ربنا آتهم ضعفين من العذاب " لضلالهم في نفوسهم وإضلالهم إيانا. وقيل معناه عذاب الدنيا والآخرة " والعنهم لعنا كثيرا " أي مرة بعد أخرى. ومن قرأ بالباء أراد اللعن الذي هو أكبر من لعن الفاسق، لان لعنة الكافر أعظم. ثم خاطب تعالى المؤمنين فقال " يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذءا موسى " أي لا تؤذوا نبيكم مثل ما أوذي موسى يعني آذاه قومه بعيب أضافوه إليه لم يقم حجة بتعييبه. وقيل: إن الآية نزلت في المنافقين عابوا النبي صلى الله عليه وآله باصطفائه صفيه بنت حي، فنهاهم الله عن ذلك. واختلف المفسرون في العيب الذي اضافه قوم موسى إليه. فقال قوم: انهم آذوا موسى بأن أشاعوا أن هارون قتله موسى فأحياه الله - عز وجل - حتى أخبرهم ان موسى لم يقتله وأن الله تعالى هو الذي أماته عند انقضاء أجله، وهو معنى قوله " فبرأه الله مما قالوا " وقيل: انهم قالوا: إنه أبرص. وقيل: انهم أضافوه إلى أنه أدر الخصيتين، فبرأه الله من ذلك، وأجاز البلخي حديث الصخرة التي ترك موسى ثيابه عليها على أن يكون ذلك معجزا له. وقال قوم: ذلك لا يجوز لان فيه اشتهار النبي وابداء سوأته على رؤس الاشهاد. وذلك ينفر عنه، فبرأه الله من ذلك. وقوله " وكان عند الله وجيها " أي عظيم القدر، رفيع المنزلة إذا سأل الله تعالى شيئا أعطاه. وأثبت الألف في قوله " الرسولا.... والسبيلا " لأجل الفواصل في رؤس الآي تشبيها بالقوافي.