الآيات 61-65
قوله تعالى: ﴿مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا، سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا، يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا، إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا، خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾
لما أخبر الله تعالى، وتوعد " المنافقين والذين في قلوبهم مرض " أي شك " والمرجفون في المدينة " بما يشغل قلوب المؤمنين وأنهم إن لم يتوبوا عن ذلك نفوا عنها، وصفهم بأنهم " ملعونين " أي مبعدون " أينما ثقفوا " ونصب (ملعونين) على الحال من الضمير في قوله " يجاورونك " وقيل: انه نصب على الذم، والصفة ل? (قليلا)، كأنه قال: إلا أذلاء ملعونين، (وأينما) منصوب ب? (ثقفوا)، وانجزم به (ثقفوا) على طريق الجزاء. وإنما جاز ذلك، لان الجازم في الأصل (إن) المحذوفة. وصار (أينما) تقوم مقامها، وتغني عنها ولا يجوز ان يعمل فيه (اخذوا) لأنه جواب الجزاء، ولا يعمل الجواب فيها قبل الشرط، لئلا يختلط أحد الامرين بالآخر. وفي الآية دلالة على أنهم انتهوا، وإلا كان يوقع الاغراء بهم ويجعلهم بالصفة التي ذكرها. وقوله " سنة الله التي قد خلت من قبل " فالسنة الطريقة في تدبير الحكيم ومنه سنة رسول الله، وهي الطريقة التي أجراها بأمر الله تعالى، فأضيفت إليه لأنه فعلها بأمر الله. واصل السنة الطريقة. ومن عمل الشئ مرة أو مرتين لا يقال: إن ذلك سنة، لان السنة الطريقة الجارية، ولا تكون جارية بمالا يعتد به من العمل القليل، وسنة الله في المتمردين في الكفر - الذين لا يقلع أحد منهم ولا من نسلهم - الاهلاك في العذاب في الدنيا والآخرة. وقوله " ولن تجد لسنة الله تبديلا " معناه إن السنة التي أراد الله أن يسنها في عباده لا يتهيأ لاحد تغييرها، ولا قلبها عن وجهها لأنه تعالى القادر الذي لا يتهيأ لاحد منعه مما أراد فعله. ثم قال " يسألك الناس عن الساعة " يعني عن يوم القيامة " قل " لهم " إنما علمها عند الله " لا يعلمها أحد غيره " وما يدريك " يا محمد " لعل الساعة تكون قريبا " مجيئها. ثم قال تعالى مخبرا " إن الله لعن الكافرين " يعني أبعدهم من رحمته " وأعد لهم سعيرا " يعني النار التي تستعر وتلتهب " خالدين فيها أبدا " أي مؤبدين فيها لا يخرجون منها " ولا يجدون وليا " ينصرهم من دون الله " ولا نصيرا " يدفع عنهم. واستدل قوم بذلك على النار أنها مخلوقة الآن، لان مالا يكون مخلوقا لا يكون معدا. وهذا ضعيف، لأنه يجوز أن يكون المراد إن الجنة والنار معدتان في الحكم كائنتان لا محالة، فلا يمكن الاعتماد على ذلك.