الآيات 11-15

قوله تعالى: ﴿هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا، وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا، وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَارًا، وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلاَّ يَسِيرًا، وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولًا﴾

القراءة:

قرأ حفص عن عاصم ﴿ لا مقام ﴾ بضم الميم أي لا إقامة لكم. الباقون - بفتح الميم يعني لا موضع لكم تقومون فيه. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو جعفر وابن عامر ﴿ لاتوها ﴾ قصرا بمعنى لجاؤها. الباقون بالمد، يعني لأعطوها. وقالوا: هو أليق بقوله " ثم سئلوا الفتنة " لان العطاء يطابق سؤال السائل. لما وصف الله تعالى شدة الامر يوم الخندق، وخوف الناس وأن القلوب بلغت الحناجر من الرعب. قال ﴿ هنالك ابتلي المؤمنون ﴾ أي اختبروا ليظهر بذلك حسن نياتهم وصبرهم على ما أمرهم الله به من جهاد أعدائه و (هنا) للقريب من المكان و (هنا لك) للبعيد منه، و (هناك) للمتوسط بين القريب والبعيد وسبيله سبيل (ذا. وذاك وذلك). والابتلاء إظهار ما في النفس من خير أو شر، ومثله الاختبار والامتحان والبلاء النعمة، لاظهار الخير على صاحبه، والبلاء النقمة لاظهار الشر عليه. وقوله ﴿ وزلزلوا زلزالا شديدا ﴾ معناه وحركوا بهذا الامتحان تحريكا عظيما، فالزلزال الاضطراب العظيم ومنه قوله " إذا زلزلت الأرض زلزالها " والزلزلة اضطراب الأرض. وقيل: انه مضاعف زل، وزلزله غيره. والشدة قوة تدرك بالحاسة، لان القوة التي هي القدرة لا تدرك بالحاسة، وإنما تعلم بالدلالة، فلذلك يوصف تعالى بأنه قوي، ولا يوصف بأنه شديد. ثم قال واذكر يا محمد ﴿ إذ يقول المنافقون ﴾ الذين باطنهم الكفر وظاهرهم الايمان ﴿ والذين في قلوبهم مرض ﴾ أي شك من الايمان بالله ورسوله ﴿ ما وعدنا الله ورسوله ﴾ اي لم يعدنا الله ورسوله من الظفر والظهور على الدين ﴿ إلا غرورا ﴾ وقيل: ان النبي صلى الله عليه وآله بشرهم بأنه يفتح عليهم مدائن كسرى وبلاد قيصر وغير ذلك من الفتوح، فقالوا: يعدنا بهذا، والواحد منا لا يقدر على أن يخرج ليقضي حاجة ﴿ ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا ﴾ غرانا به، فالغرور ايهام المحبوب بالمكر، يقال: غره يغره غرورا، فهو غار، والغرور الشيطان قال الحارث بن حلزة:

لم يغروكم غرورا ولكن * يرفع الآل جمعهم والضحاء

وقال يزيد بن رومان: الذي قال هذا القول معتب بن قشيرة وقال العتابي: ليس عاقل يقول: إن الله وعد غرورا، لكنهم لما كذبوا رسوله وشكوا في خبره، فكأنهم كذبوا الله، وإذا نسبوا الرسول بأنه غرهم، فقد نسبوا الله إلى ذلك في المعنى، وإن لم يصرحوا به. ثم قال واذكر يا محمد ﴿ إذ قالت طائفة منهم ﴾ يعني من المنافقين ﴿ يا أهل يثرب ﴾ أي يا أهل المدينة، قيل: ان يثرب اسم ارض المدينة. وقال أبو عبيدة: إن المدينة الرسول في ناحية من يثرب. وقيل: يثرب هي المدينة نفسها ﴿ لا مقام لكم ﴾ أي ليس لكم مكان تقومون فيه للقتال. ومن ضم أراد: لا إقامة لكم - ذكره الأخفش - وقال يزيد بن رومان: القائل لذلك أوس بن قبطي. ومن وافقه على رأيه ﴿ فارجعوا ﴾ اي أمرهم بالرجوع إلى منازلهم. وحكى ان جماعة منهم جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وآله فاستأذنوه للرجوع. وقالوا ﴿ إن بيوتنا عورة ﴾ أي هي مكشوفة نخشى عليها السرق - ذكره ابن عباس ومجاهد - فكذبهم الله تعالى في قوله ﴿ وما هي بعورة... ﴾ وليس يريدون بهذا القول إلا الفرار، والهرب من القتال. ثم قال ﴿ ولو دخلت عليهم من أقطارها ﴾ اي من نواحيها يعني المدينة أو البيوت، فهو جمع قطر، وهو الناحية ﴿ ثم سئلوا الفتنة ﴾ يعني الكفر والضلال وقيل: انهم لو دعوا إلى القتال على وجه الحمية والعصبية لجاؤا إليها - على قراءة من قصر - ومن مد أراد لأعطوا ما سئلوا إعطاءه من ذلك ﴿ وما تلبثوا بها إلا يسيرا ﴾ قال الفراء: وما تلبثوا بالمدينة إلا قليلا حتى يهلكوا. وقال قتادة: معناه وما احتبسوا عن الإجابة إلى الكفر إلا قليلا. ثم قال ﴿ ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل ﴾ يعني عندما بايعوا النبي صلى الله عليه وآله وحلفوا له انهم ينصرونه ويدفعون عنه، كما يدفعون عن نفوسهم، وانهم ﴿ لا يولون الادبار ﴾ اي لا يفرون من الزحف ﴿ وكان عهد الله مسؤولا ﴾ يعني العهد الذي عاهدوا الله عليه، وحلفوا له به يسألهم عن الوفاء به يوم القيامة.