الآيات 1-5

مكية في قول قتادة ومجاهد وغيرهما. وقال الكلبي ومقاتل: ثلاث آيات منها مدنية قوله " أفمن كان مؤمنا " إلى تمام ثلاث آيات. وهي ثلاثون آية كوفي وحجازي وشامي. وتسع وعشرون آية بصري.

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله تعالى: ﴿الم، تَنزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ، أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ، اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ، يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إلى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾

خمس آيات كوفي وأربع فيما عداه عدوا " ألم " آية ولم يعدها الباقون. روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يقرأ في كل ليلة سورة السجدة " ألم تنزيل " و " تبارك الذي بيده الملك ". و " تنزيل " رفع على أنه خبر ابتداء محذوف، وتقديره " ألم " هو تنزيل. ويجوز أن يكون (تنزيل) رفعا بالابتداء، وخبره " لا ريب فيه " ذكره الزجاج. وقد تكرر القول بأن أوائل أمثال هذه السور أقوى الأقوال فيها انها أسماء للسورة، ورجحناه على غيره من الأقوال. والتلفظ بحروف الهجاء ينبغي أن يكون على الوقف، لأنها مبنية على السكون من حيث كانت حكاية للأصوات. وقوله " تنزيل الكتاب " أي هذه الآيات هي تنزيل الكتاب الذي وعدتم به " لا ريب فيه " أي لا شك فيه أنه وحي من الله. والمعنى أنه لا ريب فيه عند المهتدين، وإن كان ارتاب به حلق من المبطلين. وهو مثل قول القائل: لا ريب في هذا انه ذهب أي عند من رآه واعتبره. وقيل: معنى " لا ريب فيه " خبر والمراد به النهي، والمعنى لا ترتابوا به، والريب الشك. وقيل: هو أقبح الشك. ووجوه الحكم في الكتاب البيان عن كل ما تدعو الحكمة إلى تميز الحق فيه من الباطل بالبرهان عليه مما يحتاج إليه في الدين الذي يرضى به رب العالمين، وهو على وجهين: حجة، وموعظة، واعتماد الحجة على تبين ما يؤدي إلى العلم بصحة الامر، واعتماد الموعظة على الترغيب والترهيب، وفي الموعظة من جهة التحذير بما تضمنه أي يقرب ما في السورة المسمى به من الحكم، وفيه حجة على العبد من جهة انه قد دل به على ما يجب أنه يعتقد تعظيمه وبعمل به. وقوله " من رب العالمين " أي هو تنزيل من عند الله الذي خلق الخلائق. وقوله " أم يقولون افتراه " فهذه (أم) منقطعة، ومعناها (بل) وتقديره: بل يقولون افتراه، ففيها معنى (بل) والألف إذا كانت معادلة فمعناها (أو) مع الاستفهام، و (افتراه) معناه افتعله، بل قال تعالى ليس الامر على ما قالوه " بل هو الحق " من عند الله والحق هو كل شئ كان معتقده على ما هو به مما يدعو العقل إليه واستحقاق المدح عليه. وتعظيمه الكتاب حق، لان من اعتقد أنه من عند الله كان معتقده على ما هو به. والباطل نقيض الحق، وهو ما كان معتقده لا على ما هو به. وقوله " بل هو الحق من ربك " فيه دلالة على بطلان مذهب المجبرة لان الله تعالى أنزله ليهتدي به الخلق لا ليضلوا به عن الدين، والمجبرة تزعم أنه أراد ضلال الكفار عن الدين فيجب كونه منزلا ليضل الكفار عن الدين. وقوله " لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك " لا ينافي قوله " وإن من أمة إلا خلا فيها نذير " (1) لان الحسن، قال: المعنى وإن من أمة أهلكت بالعذاب إلا من بعد أن جاءهم نذير ينذرهم بما حل بهم. وهذا خطاب للنبي صلى الله عليه وآله يقول الله تعالى له " لتنذر " أي لتخوف يا محمد " قوما " لم يأتهم مخوف قبلك، يعني أهل الفترة من العرب، فكانوا كأنهم في غفلة عما لزمهم من حق نعم الله وما خلقهم له من العبادة. وقد كان إسماعيل عليه السلام نذيرا لمن أرسل إليه. ثم قال " الله الذي خلق السماوات والأرض " أي اخترعهما وأنشأها وخلق " ما بينهما في ستة أيام " أي في ما قدره ستة أيام، لأنه قبل خلق الشمس لم يكن ليل ولا نهار. وقوله " ثم استوى على العرش " أي استوى عليه بالقهر والاستعلاء، وقد فسرناه في ما مضى (2) ودخلت " ثم " على (استوى على العرش) وإن كان مستعليا على الأشياء قبلها، كما دخلت حتى في قوله " ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرى " (3) وتقديره ثم صح معنى استوى على العرش باحداثه، وكذلك حتى يصح معنى " نعلم المجاهدين " أي معنى وصفهم بهذا وذلك لا يكون إلا بعد وجود الجهاد من جهتهم. وقوله " مالكم من دونه من ولي ولا شفيع " نفي منه تعالى أن يكون للخلق ناصر ينصرهم من دون الله أو شفيع يشفع لهم، كما كانوا يقولون: نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى. ثم قال " أفلا تتذكرون " في ما قلناه وتعتبرون به، فتعلموا صحة ما بيناه لكم. وقوله " يدبر الامر من السماء إلى الأرض " معناه ان الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في هذه المدة يدبر الأمور كلها، ويقدرها على حسب إرادته في ما بين السماء والأرض، وينزله مع الملك إلى الأرض " ثم يعرج إليه " يعني الملك يصعد إلى المكان الذي أمره الله تعالى أن يعرج إليه، كما قال إبراهيم: " اني ذاهب إلى ربي " (4) أي ارض الشام التي امرني ربي. ولم يكن الله بأرض الشام، ومثله قوله تعالى " ومن بخرج من بيته مهاجرا إلى أنه ورسوله " (5) يريد إلى المدينة. ولم يكن الله في المدينة. وقوله " في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون " قال ابن عباس، والضحاك: معناه يوم كان مقداره لو ساره غير الملك ألف سنة مما يعده البشر. وقيل: معناه خمس مئة عام نزول وخمس مئة عام صعود، فذلك ألف سنة. وقال قوم: يجوز أن يكون يوم القيامة يوما له أول وليس له آخر. وقته أوقاتا يسمى بعضها الف سنة وبعضها خمسين الف سنة. وقيل: ان معنى " وإن يوما عند ربك كألف سنة " انه فعل في يوم واحد من الأيام الستة التي خلق فيها السماوات والأرض ما لو كان يجوز أن يفعله غيره. لما فعله إلا في الف سنة. وقيل: ان معناه إن كل يوم من الأيام الستة التي خلق فيها السماوات كألف سنة من أيام الدنيا.


1- سورة 35 فاطر آية 24.

2- انظر 4 / 452.

3- سورة 47 محمد آية 31.

4- سورة 37 الصافات آية 99.

5- سورة 4 النساء آية 99.