الآيات 1-5

هي مكية - في قول مجاهد وقتادة - ليس فيها ناسخ ولا منسوخ. وقال الحسن: هي مكية إلا آية واحدة وهي قوله ﴿ الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ﴾ لان الصلاة والزكاة مدنيتان وهي ثلاث وثلاثون آية حجازي وأربع وثلاثون آية في ما عدا الحجازي.

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله تعالى: ﴿الم، تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ، هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ، أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾

القراءة:

خمس آيات كوفي وأربع بلا خلاف فيما عدا الكوفي. قرأ حمزة " هدى ورحمة " رفعا. الباقون نصبا. من رفع جعله خبر ابتداء محذوف، وتقديره هو هدى ورحمة، ويجوز أن يكون بدلا من " تلك آيات " أي تلك هدى ورحمة، ومن نصب فعلى المصد وتقديره يهدي به هدى ويرحم به رحمة، ويجوز أن يكون على الحال، وتقديره هاديا أي في حال الهداية والرحمة - ذكره الزجاج - " للمحسنين " الذين يفعلون الأفعال الحسنة من الطاعات ويتفضلون على غيرهم. وقد بينا أن أقوى الأقوال في معنى " ألم " قول من قال هو اسم للسورة، وذكرنا ما في الأقوال في ما تقدم. قال الرماني: إنما جعل اسم السورة على الاشتراك للمناسبة بينها وبين ما يتصل بها مع الفصل بالصفات وذلك انها استحقت بذكر الكتاب والمؤمنين به غير العادلين عنه، كما هو في البقرة. وقوله " تلك آيات الكتاب " إشارة إلى آيات الكتاب التي وعدهم الله بانزالها عليهم في الكتب الماضية، قال أبو عبيدة " تلك " بمعنى هذه " وآيات الكتاب " وإن كانت هي الكتاب فهو جائز، كما قال " حق اليقين " (1) وكما قالوا: مسجد الجامع، وغير ذلك. وقد بيناه في ما مضى " الحكيم " من صفة الكتاب، فلذلك جره وإنما وصف الكتاب بأنه (حكيم) مع أنه محكم لأنه يظهر الحق والباطل بنفسه، كما يظهره الحكيم بقوله، ولذلك يقال: الحكمة تدعو إلى الاحسان وتصرف عن الإساءة. وقال أبو صالح: أحكمت آياته بالحلال والحرام. وقال غيره: أحكمت بأن أتقنت " لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل " (2). ثم قال هذا الكتاب " هدى ورحمة للمحسنين " أي دلالة موصلة لهم إلى الصواب وما يستحق به الثواب، ورحمة رحمهم الله بها وأضافه إلى المحسنين وإن كان هدى لغيرهم لما كانوا هم المنتفعين به دون غيرهم كما قال " هدى للمتقين " (3) والاحسان النفع الذي يستحق به الحمد فكل محسن يستحق الحمد وكل مسيئ يستحق الذم، وما يفعله الفاعل على أنه لا ظلم فيه لاحد لينقطع به عن قبيح في أنه احسان فهو احسان يستحق عليه الحمد، لان الحكمة تدعو إلى فعله على هذا الوجه، ولا يدعو إلى أن يفعله للشهوة، ولا للهوى. ثم وصف المحسنين فقال " الذين يقيمون الصلاة " أي يديمون فعلها ويقومون بشرائطها واحكامها ويخرجون الزكاة الواجبة عليهم في أموالهم. وهم بالآخرة مع ذلك يوقنون، ولا يرتابون بها. ثم اخبر أن هؤلاء الذين وصفهم بهذه الصفات " على هدى من ربهم " أي على حجة من ربهم " وأولئك هم المفلحون " الفائزون بثواب الله ورحمته.


1- سورة 56 الواقعة آية 95.

2- سورة 41 حم السجدة (فصلت) آية 42.

3- سورة البقرة آية 2.