الآيات 56-60

قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ، فَيَوْمَئِذٍ لَّا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ، وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتَهُم بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ، كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ، فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾

القراءة:

قرأ أهل الكوفة " لا ينفع " بالياء، لان تأنيث المعذرة غير حقيقي. الباقون بالتاء، لان اللفظ لفظ التأنيث. يقول الله تعالى مخبرا عن الذين قد أعطاهم الله العلم وآتاهم إياه بما نصب لهم من الأدلة الموجبة له، ونظروا فيها فحصل لهم العلم، فلذلك أضافه إلى نفسه لما كان هو الناصب للأدلة الدالة على العلوم، والتصديق بالله ورسوله ﴿ لقد لبثتم ﴾ أي مكثتم ﴿ في كتاب الله ﴾ ومعناه إن لبثكم مذكور ثابت في كتاب الله بينه الله فيه، فصار من أجل ان بيانه في كتابه كأنه في الكتاب، كما تقول كلما يكون فهو في اللوح المحفوظ أي هو مبين فيه، وقيل ﴿ في كتاب الله ﴾ أي في كتابه الذي أخبرنا به، واللبث لا يكون إلا في المكان، كما لا يكون السكون إلا فيه، والبقاء قد يكون لا في مكان، ولذلك يوصف تعالى بالباقي، ولا يوصف ب? (لابث) و ﴿ إلى يوم البعث ﴾ يعني يوم يبعث الله فيه خلقه ويحشرهم. واصل البعث جعل الشئ جاريا في أمر، ومنه انبعث الماء إذا جرى وانبعث من بين الأموات إذا خرج خروج الماء، ويوم البعث يوم اخراج الناس من قبورهم إلى أرض المحشر. ثم يقول المؤمنون للكفار " فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون " صحة ذلك وكنتم شاكين فيه. وقال الحسن: لقد قدرنا آجالكم إلى يوم البعث ولكنكم لا تعلمون ان البعث حق. ثم اخبر تعالى ان ذلك اليوم لا تقبل معذرتهم، والمعذرة إظهار ما يسقط اللائمة، وإنما لا تقبل معذرتهم لأنهم ملجئون في تلك الحال، ولا يصح اعتذارهم وقوله " ولا هم يستعتبون " أي لا يقبل عتبهم، ولا يطلب منهم الاعتاب. والاستعتاب طلب صلاح المعاتب بالعتاب وذلك بذكر الحقوق التي تقتضي خلاف ما عمله العامل بما لا ينبغي أن يكون عليه مع الحق اللازم له وليس في قولهم ما علمنا أنه يكون ولا أننا نبعث عذر، لأنه قد نصب لهم الدلالة عليه ودعوا إليه. ثم اخبر تعالى انه ضرب للناس المكلفين في القرآن الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وآله من كل مثل، يحثهم به على الحق واتباع الهدى. ثم قال لنبيه " ولئن جئتهم بآية " يا محمد أي معجزة باهرة " ليقولن الذين كفروا ان أنتم إلا مبطلون " في دعواكم البعث والنشور، عنادا وجحدا للأمور الظاهرة. ثم قال مثل ما طبع الله على قلوب هؤلاء بأن حكم عليهم بأنهم لا يؤمنون كذلك حكم في كل من لا يؤمن. وقيل: الطبع علامة يجعلها الله في قلوب الكافرين يفصل بها الملائكة بينه وبين المؤمن. ثم قال لنبيه " فاصبر " يا محمد على أذى هؤلاء الكفار ومقامهم على كفرهم " ان وعد الله حق " في ما وعدك به من النصر واعزاز دينك " ولا يستخفنك " أي ولا يستفزنك " الذين لا يوقنون " فالاستخفاف طلب الخفة.