الآيات 1-5
وهي مكية في قول مجاهد وقتادة ليس فيها ناسخ ولا منسوخ. وقال الحسن: كلها مكية إلا قوله ﴿ فسبحانه الله ﴾ إلى قوله ﴿ وحين تظهرون ﴾ وهي ستون آية كوفي وبصري ومدني الأول وشامي. وتسع وخمسون في المدني الأخير والمكي.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: ﴿الم، غُلِبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾
خمس آيات كوفي وبصري وشامي، وأربع في ما عداه، عد الكوفيون ﴿ ألم ﴾ وعدوا ﴿ غلبت الروم ﴾ وعد البصري والشامي ﴿ غلبت الروم ﴾ وعدوا ﴿ في بضع سنين ﴾ وعد المدني ﴿ غلبت الروم ﴾ وعد ﴿ إسماعيل والمكي غلبت الروم، في بضع سنين ﴾. قرأ ابن عمر، وأبو سعيد الخدري ﴿ غلبت الروم ﴾ بفتح الغين، فقيل لابن عمر: على أي شئ غلبوا قال على ريف الشام، وهذا غلط، فان عند جميع المفسرين القراءة بالضم. والسبب في ذلك معروف، وهو ان الروم لما غلبهم فارس فرح مشركوا قريش بذلك من حيث إن أهل فارس لم يكونوا أهل كتاب، وساء ذلك المسلمين، فأخبر الله تعالى ان الروم وإن غلبهم فارس، فان الروم ستغلب في ما بعد فارس ﴿ في بضع سنين ﴾ أي في ما بين ثلاث سنين إلى عشر، فكان كما اخبر، وكان ذلك معجزة ظاهرة باهرة للنبي صلى الله عليه وآله وروي أن جماعة من الصحابة راهنوا أبي بن خلف وقيل: أبا سفيان. إن لم يصح الخبر ووافقوهم على أربع سنين، فلما أخبروا النبي صلى الله عليه وآله قال: (زيدوهم في الخطر واستزيدوا في الأجل) ففعلوا، فغلبت الروم لفارس قبل المدة. اخبر الله تعالى ان الروم غلبت عليها فارس في أدني الأرض من أرض الشام إلى ارض فارس، وانهم من بعد غلبتهم فارس سيغلبون في ما بعد في بضع سنين. وروي عن النبي صلى الله عليه وآله ان البضع - ههنا - ما بين الثلاث إلى العشر. وروي ان سبب ذلك ان الروم لما غلبتها فارس فرح المشركون بذلك وقالوا: أهل فارس لا كتاب لهم غلبوا أهل الروم، وهم أهل كتاب، فنحن لا كتاب لنا نغلب محمدا الذي معه كتاب، فأنزل الله تعالى هذه الآيات تسلية للنبي والمؤمنين. وإن الروم وإن غلبها فارس، فإنها ستغلب فارس في ما بعد في بضع سنين. قال أبو سعيد الخدري: كان النصر يوم بدر للفريقين للنبي صلى الله عليه وآله والروم على فارس، ففرح المؤمنون بالنصرين. وقيل: كان يوم الحديبية. وقال الفراء: قوله " من بعد غلبهم " تقديره غلبتهم، فحذف الهاء للإضافة. كما قال " وإقام الصلاة " (1). قال الزجاج: الغلب والغلبة مصدران، مثل الحلب والحلبة، والغلبة الاستيلاء على القرن بالقهر، غلب يغلب فهو غالب وذلك مغلوب، وتغلب تغلبا إذا تعرض للغلبة، غالبه مغالبة. و (الأدنى) الأقرب، ونقيض الأدنى الأقصى، ونقيض الأقرب الابعد، والمراد أدنى الأرض إلى جهة عدوهم. والبضع القطعة من العدد ما بين الثلاث إلى العشر، اشتقاقه من بضعته إذا قطعته تبضيعا، ومنه البضاعة القطعة من المال في التجارة، ومنه البضعة القطعة من البدن، والمبضع، لأنه يقطع به العرق. والمباضعة الجماع. وقال المبرد البضع ما بين العقدين في جميع الاعداد. ثم اخبر تعالى بأن " لله الامر من قبل ومن بعد " تقديره من بعد غلبهم ومن قبل غلبهم، فقطع عن الإضافة وبني لأنه على الغاية وتفسيرها انه ظرف قطع عن الإضافة التي هي غاية، فصار كبعض الاسم، فاستحق البناء وبني على الحركة، لان له أصلا في التمكن يستعمل. وبني على الضمة لأنها حركة لا تكون له في حال الاعراب. فهي أدل على البناء. ثم قال " ويومئذ يفرح المؤمنون " أي يوم يغلب الروم لفارس يسر المؤمنون تفاؤلا بأن يغلبوا هم المشركين. ثم بين بماذا يفرحون، فقال " بنصر الله ينصر من يشاء من عباده وهو العزيز " في انتقامه من أعدائه " الرحيم " إلى من أناب إليه من خلقه.
1- سورة 24 النور آية 37.