الآيات 51-55

قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ، وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُّسَمًّى لَجَاءهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ، يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾

القراءة:

قرأ أهل الكوفة ونافع " يقول " بالياء على معنى: ويقول لهم الموكلون بعذابهم. الباقون - بالنون - على وجه الاخبار من الله تعالى عن نفسه. وفي قراءة عبد الله ويقال لهم: على ما لم يسم فاعله. لما حكى الله تعالى عن الكفار أنهم قالوا: هلا أنزل على محمد آيات اقترحوها أو آيات كما أنزل على موسى وعيسى، قال الله لهم " أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك " يا محمد " الكتاب " يعني القرآن " يتلى عليهم " فبين أن في القرآن دلالة واضحة وحجة بالغة ينزاح معه العلة وتقوم به الحجة لا يحتاج معه إلى غيره في الوصول إلى العلم بصحة نبوته وأنه مبعوث من عند الله، مع أن اظهار المعجزات مع كونها لإزاحة العلة يراعى فيها المصلحة. فإذا كانت المصلحة في اظهار نوع منها لم يجز إظهار غيرها، ولو اظهر الله الاعلام التي اقترحوها ثم لم يؤمنوا، لاقتضت المصلحة استئصالهم كما اقتضت في الأمم الماضية، وقد وعد الله أن هذه الأمة لا تعذب بعذاب الاستئصال، كما قال " وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون " (1). والكفاية بلوغ حد ينافي الحاجة، يقال: كفى بكفي كفاية، فهو كاف. وقيل: إن الآية نزلت في قوم كتبوا شيئا من كتب أهل الكتاب شبه الخرافات، فقال الله تعالى ﴿ أولم يكفهم ﴾ القرآن تهديدا لهم ومنعا من التعرض لغيره. وقولهم: كفى الله معناه أنه فعل ما ينافي الحاجة بالنصرة. والتلاوة هي القراءة وسميت تلاوة لأنه يتلو حرف حرفا في التلاوة. والقرآن مشتق من جمع الحروف بعضها إلى بعض. ثم بين الله تعالى ﴿ إن في ذلك ﴾ أي القرآن ﴿ لرحمة ﴾ أي نعمة ﴿ وذكرى ﴾ اي ما يتذكر به ومعتبر ﴿ لقوم يؤمنون ﴾ يصدقون به ويعتبرون وإنما أضافه إليهم، لأنهم الذين ينتفعون به. ثم أمر نبيه صلى الله عليه وآله أن يقول ﴿ كفى بالله ﴾ أي كفى الله. والباء زائدة ﴿ بيني وبينكم شهيدا ﴾ يشهد بالحق. والشاهد والشهيد واحد، وفيه مبالغة، والشهادة هي الخبر بالشئ عن مشاهدة تقوم به الحجة في حكم من أحكام الشرع، ولذلك لم يكن خبر من لا تقوم به الحجة - في الزنا - شهادة وكان قذفا، ثم بين أن الشهيد الذي هو الله ﴿ يعلم ما في السماوات والأرض ﴾ ويعلم الذين صدقوا بالباطل وجحدوا وحدانيته. ثم اخبر عنهم انهم الخاسرون الذين خسروا ثواب الجنة بارتكابهم المعاصي وجحدهم بالله، فكان ذلك الخسران الذي لا يوازيه خسران مال. وقوله ﴿ والذين آمنوا بالباطل ﴾ إنما وصفهم بالايمان مقيدا بالباطل، كما يقال: فلان كافر بالطاغوت مقيدا، وإنما الاطلاق لا يجوز فيهما. ثم خاطب نبيه صلى الله عليه وآله فقال ﴿ ويستعجلونك بالعذاب ﴾ يعني هؤلاء الكفار ﴿ يستعجلونك بالعذاب ﴾ أن ينزل عليهم بجحودهم صحة ما تدعوهم به، كما قالوا ﴿ فأمطر علينا حجارة من السماء ﴾ (2) و ﴿ لولا أجل مسمى ﴾ يعني وقتا قدره الله أن يعاقبهم فيه وهو يوم القيامة وأجل قدره الله أن يبقيهم إليه لضرب من المصلحة. وقال الجبائي: ذلك يدل على أن التبقية لا تجب لكونه أصلح، لأنه علله بأنه قدر له أجلا ﴿ لجاءهم العذاب ﴾ الذي استحقوه ﴿ وليأتينهم ﴾ العذاب الذي يوعدونه ﴿ بغتة ﴾ أي فجأة ﴿ وهم لا يشعرون ﴾ بوقت مجيئه. ثم قال ﴿ يستعجلونك ﴾ يا محمد ﴿ بالعذاب ﴾ أي يطلبون العذاب عاجلا قلة يقين منهم بصحته ﴿ وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ﴾ أي كأنها محيطة بهم لما قد لزمهم بكفرهم من كونهم فيها. وقيل: معناه انه إذا كان يوم القيامة أحاطت بهم. ووجه ثالث - أنها تحيط بهم ﴿ يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ونقول ذوقوا ما كنتم تعملون ﴾ أي تكسبون أي ذوقوا جزاء اعمالكم المعاصي التي اكتسبتموها.


1- سورة 17 الاسرى آية 59.

2- سورة 8 الأنفال آية 32.